Friday 19,Apr,2024 16:19

صحيفة بحرينية مستقلة

صحيفة بحرينية مستقلة

البحرين: ثورة على القرون الوسطى والوصاية الأمريكيّة

د.وفيق إبراهيم‏: تختبئ السياسة الأمريكيّة خلف الاحتلال السعوديّ المباشر للبحرين، في حركة مسرحيّة فاشلة، يجري فيها تقديم آل خليفة وكأنّهم قوّة فعليّة، لها حضورها السياسيّ والاجتماعيّ والعسكريّ

د. وفيق إبراهيم*

تختبئ السياسة الأمريكيّة خلف الاحتلال السعوديّ المباشر للبحرين، في حركة مسرحيّة فاشلة، يجري فيها تقديم آل خليفة وكأنّهم قوّة فعليّة، لها حضورها السياسيّ والاجتماعيّ والعسكريّ.

فيتبدى المشهد كاريكاتوريّاً مثيراً للشفقة والازدراء، كمن يحاول إخفاء ناطحة سحاب بكوخ، أو محيط بساقية!..

لذلك تواصل ثورة البحرين مسيرتها، كاشفة طبيعة الحلف الأمريكيّ – السعوديّ مع آل خليفة، هذا الحلف المصرّ على إيقاف حركة التاريخ عند مشارف القرون الوسطى، ويستفيد من أوضاع صعبة على مستوى الإقليم العربيّ، فتحاول الدفاع عن مواقعها في منطقة تعتبرها قلب الغرب الصناعيّ والاقتصاديّ، وأكبر موقع فساد لشركاتها، وقواها الماليّة والاقتصاديّة على سطح المعمورة.

وللإنارة على الموضوع، لا بدّ أولاً من تفسير الأسباب التي تجعل من ثورة البحرين، أكبر تهديد لهيمنة الغرب على المنطقة مع وكلائه المحليّين.

بداية، يجب الإشارة إلى أنّ ثورة البحرين، هي الحركة المدنيّة الأولى في المنطقة الممتدّة من حدود عمان، مع دولة الإمارات حتى حدود السعوديّة مع العراق، فلم يسبق أن قام خليجيّون بطرح برنامج عمل يطالب بتغييرات سياسيّة واجتماعيّة ووطنيّة عميقة، لها ارتباط بضرورات إلغاء الدكتاتوريّات السياسيّة، والمساواة بين المواطنين، وتحرير البلاد من الهيمنة الخارجيّة، مع إعادة توزيع موارد الثروة بما يتّفق وضرورات الإنماء والتطوير، على قاعدة المراقبة في الإنفاق والعدل في التوزيع.

وقد يعتبر هذا البرنامج عاديّاً في مناطق أخرى من العالم، لكنّه يبدو عجائبيّاً في إقليم كالخليج، تشكّلت دوله حديثاً على قاعدة ذهبيّة، تقوم على أنّ البلاد مِلك صرف للسلطان «ملك أو أمير أو شيخ»، له السيطرة على الناس، والأرض، والثروة بشكل مطلق؛ هو الذي ينتج القرار، ويُغني، ويُفقر، ويقتل، ويسجن، وينفي، حسب ضرورات الاستقرار لنظامه وسلطانه، فالإعلام إعلامه، والمال ماله، والناس ليسوا إلا من مبايعيه، ويحقّ له هدر دمهم إذا ما خرجوا أو حتى انتقدوه بهمس.

وكان طبيعيّاً أن يستثير هذا البرنامج، دول الجوار في مجلس التعاون الخليجيّ، وخصوصاً السعوديّة، المهيمن الفعليّ، لأنّ أيّ تغيير في جدارها البحرينيّ، لن يتأخر في الانتقال إليها، وهي الملكيّة الأكثر تعسّفاً في العالم، وحيث الناس مجرد مبتهلين لطويل العمر، بطول .. قامته وأمواله، يوزّعها على المؤمنين به ويمنعها عن الآخرين، وتشكّل الرياض بهذا النموذج الإرهابيّ، آخر ممالك القرون الوسطى على سطح الأرض، فالملك من آل سعود، وكذلك رئيس الوزراء، ومجلس الشورى، وأمراء الولايات والمواقع الأمنيّة والعسكريّة والسياسيّة والدبلوماسيّة، ناهيك عن توزيع قسم أساس من فوائد النفط على الأمراء، والأبناء، والأحفاد في تغنيهم، وتربط الناس بهم بتوزيع الثروات تارة، والقمع القاتل والقواعد الأميركية تارة أخرى.

والبحرين نموذج مصغّر للسعوديّة في كل شيء تقريباً، ويتشابه هذان النظامان المتجاوران، بشكل كامل، فإضافة إلى ارتباطهما بالراعي الأميركيّ نفسه، فهما شديدا التحالف فيما بينهما، والجزيرة البحرينيّة بالنسبة للراعيَين الأميركيّ والسعوديّ، مرصد لحركة الإبحار في منتصف مياه الخليج، ومرقب على ما يجري على الأراضي الإيرانيّة المواجهة، وقاعدة عسكريّة لتأمين حريّة تحرّك الجنود الأميركيّين هجوماً ودفاعاً وإمداداً، وموقع متقدّم لدراسة كلّ حركات التغيير في المنطقة.

لمجمل ما ذكرنا، يتّضح الإصرار الأميركيّ على إجهاض حركة التغيير في البحرين بسيوف الغدر السعوديّة، المسنودة بدعم أميركيّ هائل، والإجرام الحاقد لآل خليفة، المجلوبين إلى البحرين من هضبة نجد، على متن المخابرات البريطانيّة التي ورثتها السياسة الأميركيّة.

أما لماذا هذا الاستقتال السعوديّ لإجهاض ثورة البحرين، فجوابه واضح في طبيعة هذا التحرّك الجانح إلى الديمقراطيّة، والعدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، مع بُعد وطنيّ كبير.

ولأنّ السعودية تعرف أنّ انتصار الحراك البحرينيّ مقدّمة لانتقاله إليها، فإنّها قامت بهجوم استباقي وأرسلت قوّاتها بتغطية أميركيّة، لإبادة كلّ استنارة في الأرخبيل، خصوصاً وأنّ صفحات الفايسبوك في مدنها، أخذت تدعو ليوم غضب احتجاجاً على الدكتاتوريّة السعوديّة ولتحرير المعتقلين فيها تعسّفاً، فجنّ آل سعود وذعروا، ولم يكفها الاحتلال العسكريّ للجزيرة تحت غطاء مجلس التعاون، بل ضخّت إمكانات هائلة لشراء الإعلام العالميّ، فصمت متواطئاً، مقدّماً صورة مذهبيّة للتحرّك البحرينيّ.

ويصادف أنّه على الرغم من التجنيس المذهبيّ الذي قام به آل خليفة، للموازنة مع الغالبيّة الشيعيّة، وعلى الرغم من أنّ المجنّسين هم من باكستان، ودول عربيّة وإسلاميّة، فإنّ الغالبيّة ظلّت على حالها، وإذا كان معظم المتظاهرين هم من الشيعة، إلّا أنّهم لا يطالبون بنشر القراءة الشيعيّة للإسلام، ولا يصرّون على التبشير بمذهبهم، لأنّ عصر التبشير قد ولّى منذ العصر العباسي، وانكفأت الملل والنحل داخل أسوار فقهها، بل يريدون تعميم الديمقراطيّة وإعادة التوزيع العادل للثروة، وإلغاء التمييز الاجتماعيّ، وهي مطالب يستفيد منها السنيّ والشيعيّ وكلّ عباد الله، ولا يخسر إلا الديكتاتوريّ المحتكر للسلطات والرافض للتطوّر.

وهناك قاعدة ذهبيّة تقول أنّ الطغاة إلى زوال، وإذا كان من سوء حظ أهل البحرين أنّ تحرّكهم ابتدأ في مرحلة صعبة دوليّاً؛ أيّ بعد انهيار الاتّحاد السوفياتيّ وسيطرة واشنطن على العالم، وتقاطع مع انهيار عراقيّ ومصريّ، وأحداث سوريّة ويمنيّة خطيرة، جعلت هذه البلدان تهتم بوضعها الداخليّ وتنأى عن أحداث الإقليم، لكن المتغيّرات التي تتسارع على مستوى عودة صراعات الأقطاب في العالم، بالتوازي مع الصعود الروسيّ والصينيّ على حساب انكفاء نسبيّ أميركيّ، يضاف إلى ذلك، عودة النظام السوريّ إلى تسجيل انتصارات في حربه ضدّ الإرهاب الدوليّ والوهابيّ والتركيّ، وتحوّل الحوثيين قوّة أساسيّة في اليمن، ويمكن أيضاً الإشارة إلى تحوّل حزب الله قوة إقليميّة وازنة، والنجاح النسبيّ للنظام العراقيّ في استيعاب هجمات القاعدة ومشتقّاتها.

إنّ كلّ هذه المستجدّات، ليست إلا عناصر إيجابيّة من شأنها ضخّ آمال بثورة البحرين، ودفعها نحو نجاحات مرتقبة على مستوى إنتاج نظام يعكس الانتقال من قعر القرون الوسطى، حيث يقبع آل خليفة وسعود إلى القرن الواحد والعشرين، بحريّاته، وحقوقه، وتقدّمه وعلومه.

وبالمحصّلة فإنّ واشنطن ليست ببعيدة عن الإقرار بتوازنات القوى الجديدة التي ترغمها على الاعتراف الجزئيّ بحقوق أهل البحرين، من كلّ المذاهب والملل، وهي حقوق سياسيّة وليست طائفيّة، وحقوق اجتماعيّة واقتصاديّة، يخشى الغرب بأسره من انتقالها من البحرين إلى الخليج بأسره؛ لأنّها قد تؤسس لوضع حدود لهيمنة الشركات الغربيّة والقوى الاقتصاديّة المتحالفة مع ديكتاتوريّات القرون الوسطى، وهنا تكمن أهميّة ثورة البحرين، وهنا يختبئ الخوف الغربيّ منها؛ فهل تكون البحرين منطلق نهاية القرون الوسطى العربيّة؟!

الفجر آت ولو طال، وتحسّن الوضع الإقليميّ مع استمرار اضمحلال الإمبراطوريّة الأميركيّة من العناصر المشّجعة على انتصار أهل البحرين على طواغيت القرن الحادي والعشرين.

*أستاذ في الجامعة اللبنانية


رابط المختصر : manamapost.com/?p=2014021623


المواضیع ذات الصلة


  • الشهيد أحمد اسماعيل.. «ما لم توثّقه العدسة»
  • الكمائن المفضوحة للن­ظام في محاكمة الشيخ عيسى أحمد قاسم.. سمٌ وعسل!!
  • فورمولا الدم من جديد… سباق في ضيافةِ مستبدّ..
  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *