Tuesday 19,Mar,2024 06:10

صحيفة بحرينية مستقلة

صحيفة بحرينية مستقلة

نقد موضوعيّ لرسالة الجمعيّات السياسيّة المرفوعة لملك البحرين

أحمد رضي: رفعت الجمعيّات السياسيّة المعارضة رسالة للملك حمد حاكم البحرين تدعوه إلى إيجاد توافق وطنيّ قبل الذهاب إلى الانتخابات للخروج من الأزمة المستمرّة منذ عام 2011. وفيما يلي نقد موضوعيّ هادئ

أحمد رضي*

رفعت الجمعيّات السياسيّة المعارضة رسالة للملك حمد حاكم البحرين تدعوه إلى إيجاد توافق وطنيّ قبل الذهاب إلى الانتخابات للخروج من الأزمة المستمرّة منذ عام 2011. وفيما يلي نقد موضوعيّ هادئ، أرجو أن يجد مساحة في صدور إخواني في الجمعيّات السياسيّة ومن يناصرهم.

لا تزال الجمعيّات السياسية تصف طبيعة ما يحصل في البحرين على أنّه «أزمة» وليس «ثورة»، لأنّ الأزمة تدفع باتّجاه التصالح بين طرفي قوى يعيشان صراع المصالح، مع إمكانيّة التعايش السلميّ مع النظام، بينما طبيعة الثورة هي قطيعة بين طرفي الصراع وتنتهي بغلبة أحدهم أو حصول الشعب على حقّ تقرير مصيره بشكل مستقلّ ومحاسبته لجرائم الطرف الآخر. والأولى للجمعيّات السعي لإيجاد توافق بينها وبين صفوف الشعب وقواه المعارضة، بدل الركض وراء وهم التوافق مع نظام لا يقبل التوافق والاندماج مع الشعب.

الجمعيّات السياسيّة وجّهت رسالتها مباشرة إلى ملك البحرين، وتجاوزت كلّ الأبواب المعيقة للتواصل معه.. بدءاً من رئيس الديوان أو رئيس الوزراء، وهي بالتالي لا تعترف ضمناً بالدور المرسوم لوليّ العهد كمنقذ لهيبة العائلة الحاكمة.. وبالتالي فهي تقول بشكل غير مباشر أنّ الملك حمد ليس مسؤولاً عن كلّ تبعات الجهاز الأمنيّ، وجرائم القتل المباشر، والتعذيب، والاغتصاب في السجون، وعمليّة التجنيس السياسيّ، باعتباره كطرف سياسيّ قابل للجلوس معه على طاولة الحوار بهدف الوصول لتوافق بين طرفيّ النزاع!!

الجمعيّات السياسيّة لا تحمل تخويلاً شعبيّاً من جميع التيّارات السياسيّة المعارضة التي يقبع قادتها في السجون والمنافي، ولا تحمل اعترافا من قوى الثورة، وهي بالتالي تمثّل بخطابها السياسيّ دائرة أتباعها وأفرادها المنتمين لها بالولاء والانتماء الحزبيّ فقط! والخلاصة بأنّ الجمعيّات السياسية تمثّل ذاتها وأفرادها ولا يحقّ لها تمثيل كلّ فئات الشعب بمختلف مرجعيّاته وأحزابه وقواه المعارضة.

وقد أثبتت الأحداث في العديد من المحطات مدى الاختلاف البيّن بين خطاب الجمعيّات السياسيّة وخطاب الثورة على مستوى المناهج والأهداف وآليّات العمل الميدانيّ، وهنا تبرز الإشكاليّة بين إصلاح النظام والمشاركة في الانتخابات، وإسقاط النظام ومقاطعة الانتخابات.. ومن هنا جاءت الثورة كحركة احتجاج شعبيّ وتمرّد غاضب على قوانين النظام ومشاريعه المدمّرة للوطن والمواطن طوال سنوات مضت.

والرسالة المرفوعة للملك هي إجراء شكليّ قد يمهّد لتخريجة سياسيّة محرجة للجمعيّات، وتعتبر من أدبيّات الخطاب السياسيّ، وقد يساهم تدخّل الخطاب الدينيّ في ترجيح كفّة الجمعيّات، ولا يعني ذلك إضفاء الشرعيّة والقبول الشعبيّ على نتائج ما تؤول إليه مخرجات الحوار المفقود.

كما تتجاهل الرسالة تماماً السقف السياسيّ الذي ألزمت الجمعيّات السياسيّة أنفسها بوثيقة المنامة، وهو إيجاد المملكة الدستوريّة والحكومة المنتخبة وغيرها من مطالب خلت في الخطب والرسائل العامّة للجمعيّات السياسيّة. ويعدّ القبول بسقف أقلّ من ذلك محرجاً لجماهيرها، ومنطقاً لا يجد قبولاً في صفوف المعارضة وجماهير واسعة لا زالت غاضبة من سياسة النظام، واستمرار انتهاكاته الحقوقيّة وجرائمه ضدّ الإنسانيّة.

وجاء في الرسالة التي أرسلت في سبتمبر/ أيلول الجاري بعد استلامها ورقة النقاط الخمس «إنّ الذهاب بدون إجماع سياسيّ وطنيّ في انتخابات 2014 سيزيد من الانقسامات ويكرّس الأزمات، ما يجعل البحرين عرضة للتجاذبات والتقلبات الإقليميّة»… والتعليق، قطاع كبير من الشعب لا يهتم أساساً بعمليّة الانتخابات، ولا يهتم بمن يشارك أو يقاطع ما دام يمثل نفسه. ومسألة ربط الأحداث بالمنظور الإقليميّ راجع لخطوات سابقة قام بها سياسيّون بإيجاد دعم من حلفاء النظام «أمريكا وبريطانيا»، لمحاولة الضغط عليه لتحقيق مطالب المعارضة، ولكن الحلفاء لا يثقون بقدرة الجمعيّات على إحداث التغيير السياسيّ، ومقاومة ردّة فعل النظام الذي يلقى دعماً أمنيّاً وعسكريّاً من النظام السعوديّ، والأخير بدأ يرتّب أوراقه استعداداً للمرحلة القادمة وتداعياتها على كلّ دول مجلس التعاون.

إزاء منطق الاختلاف والصراع السياسيّ يحاول بعض المنتمين لتلك الجمعيّات إسكات كلّ الأصوات المعارضة، وفتح باب التخوين والتحامل الشخصيّ الذي يخفي وراءه العصبيّة الحزبيّة التي لا تملك منطقاً أو حجّة عند الحوار مع الرأي الآخر، ولا يوجد باب لاستقبال انتقاداتنا وملاحظاتنا التي أنشرها علناً وأتحمّل مسؤوليّتها.

الجمعيّات تعتمد منطق المغايرة بالخطاب.. فهي تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر.. تدعو لتحقيق مطالب الشعب المشروعة «بدون تحديد السقف السياسيّ وصيغة العمل»، وتدعو النظام في الوقت نفسه للاستجابة لمطالبها للخروج من دائرة الأزمة «التي لم يحدّد من المتسبّب بها، وما هو جزاؤه؟ وهل يعدّ ما قام به جرماً أو جنحة أو فعلاً قابلاً للنسيان في ذاكرة الشعوب المتعبة؟!»

وبرأيي حلّ مشكلتنا السياسية يبدأ بتحديد موقفنا من النظام، وما جزاؤه من كلّ تلك الجرائم الخطيرة والانتهاكات الحقوقيّة، وفتح الباب للشعب ليقرّر مصيره بنفسه بدون تدخّل أجنبيّ أو ضغط خارجيّ، وعدم مساواة الضحيّة مع الجلّاد، وأيضاً الاعتراف بحقّ جميع قوى الثورة وفصائل المعارضة السياسيّة، وتحديد شكل النظام السياسيّ الذي ينقض النظام الحالي ويؤسّس لدولة القانون والعدالة والمساواة، ويحقّق الإنصاف لكلّ الضحايا والمظلومين.. ويمكن بعد ذلك الحديث عن المشاركة السياسيّة وفق مفاهيم العدل والحريّة والإجماع الوطنيّ.

الجمعيّات في رسالتها تقول، «وكلّما مرّ دور انعقاد زاد كفر الشعب بالتجربة النيابيّة والبلديّة لافتقادها للصلاحيّات التشريعيّة والرقابيّة، وتلمّس الشعب بيده استمرار الفشل في سياسات الحكومة المعيّنة، وتمدّد الفساد الإداريّ والماليّ، وتكريس سياسة التمييز والتجنيس المدمّر للوطن»… التعليق، الشعب كافر بالنظام وقوانينه ومؤسّساته أصلاً وهذا منطق الثورة.. شعب البحرين في حالة ثورة ضدّ نظام قاتل، أنزل الجيوش، وسفك الدماء، وقام بقتل وتعذيب وسجن الأحرار، وكلّ من يمدّ إليه يده شريك في الجرم مهما علا شأنه.

الرسالة ختمت باسم «القوى الوطنيّة الديمقراطيّة» بدل مسمى «الجمعيّات السياسيّة المعارضة» إسوة بالرسائل والبيانات السابقة، وهو مؤشّر لعدم التوافق الداخليّ ورفض بعض الأطراف السياسيّة التوقيع على مضمون الرسالة وأهدافها. وهناك الكثير مما يقال على أداء الجمعيّات، وأسلوب عملها وخطابها الإعلاميّ طوال سنوات مضت، ومن واجبنا بيان الخلل والنقد الصريح لأنّ هذا الوطن يسع الجميع.

ختاماً.. النظام الحاكم أجاد اللعبة السياسيّة وتشكيل الخارطة الجغرافيّة السياسيّة لنفوذه، ويملك مفاتيح الجمعيّات وحركة مسيراتها، ومتى شاء يفتحها أو يغلقها دون إرادتها المستقلّة.. وبالتالي أرى أنّ رسالة الجمعيّات السياسيّة بمثابة استجداء بلغة مذلّة لا تعبّر عن الشعب ومطالب الثورة.. وهي بحاجة للمراجعة، وتتطلب منّا المصارحة والنقد الصريح بدون مجاملة، إيماناً بدور الكلمة والقلم وحريّة التعبير والرأي الآخر، وإيماناً بعدم سرقة الثورة وضياع أهدافها وتضحيات أبنائها.. ولعلّ القادم أعظم وأخطر لو استمرّت المعارضة السياسيّة تستجدي النظام تحقيق مطالبها، وتعتمد حلفاءه كمصدر قوّة ودعم!

الله معك يا شعبي المظلوم!

*صحفيّ بحريني


رابط المختصر : manamapost.com/?p=2014062901


المواضیع ذات الصلة


  • الشهيد أحمد اسماعيل.. «ما لم توثّقه العدسة»
  • الكمائن المفضوحة للن­ظام في محاكمة الشيخ عيسى أحمد قاسم.. سمٌ وعسل!!
  • فورمولا الدم من جديد… سباق في ضيافةِ مستبدّ..
  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *