Thursday 25,Apr,2024 23:49

صحيفة بحرينية مستقلة

صحيفة بحرينية مستقلة

السياسات الكارثيّة ومصاديق الصمود

مطر مطر: من الواضح أنّ النظام البحرينيّ يوظّف أذرعه بغرض إلهاء الرأي العام عن مشاكلنا الحقيقيّة، ولكن لن تثنينا حملات التضليل عن التركيز على أصل الأزمة في البحرين.

مطر إبراهيم مطر*

من الواضح أنّ النظام البحرينيّ يوظّف أذرعه بغرض إلهاء الرأي العام عن مشاكلنا الحقيقيّة، ولكن لن تثنينا حملات التضليل عن التركيز على أصل الأزمة في البحرين.

عبر تاريخها، مرّت على البحرين أحداث كان لها أثر بالغ في رسم ملامحها التي نعرفها اليوم، من بين ذلك اكتشاف النفط، ونضوب المياه الجوفيّة، وتعاقب أطماع القوى الإقليميّة والدوليّة للسيطرة على هذه الجزر. ولقد أدّت بعض هذه الأحداث لهجرات جماعيّة، في المقابل هناك أحداث وظواهر سيكون لها أثرها البالغ في رسم ملامح المستقبل. من بينها ارتفاع منسوب البحر ونضوب النفط والغاز وفشل مشاريع التنقيب.

في اعتقادي أنّ فترة حكم الملك حمد هي بمستوى هذه الأحداث والظواهر التي ستجعل الأجيال القادمة لا تستطيع تجاوزها حين تقرأ التاريخ. إذ يتحمّل الملك حمد مسؤوليّة -على الأقلّ- خمس سياسات كارثيّة ستظلّ آثارها لأجيال.

أوّلاً: تغيير التركيبة الديموغرافيّة عبر تجنيس أعداد كبيرة من الوافدين وبعض قبائل الجزيرة العربيّة دون الالتزام بأيّ معايير أو إجراءات بغية تحويل البحرينيّين إلى أقلّية. وهنا ينبغي علينا جميعا الحذر من أيّ لغة عنصريّة، فالمدرّس المصريّ الذي درّس أجيالاً متعاقبة، والباكستانيّ الذي يملك محلّاً صغيراً للخياطة في المنامة قبل أن أولد، هؤلاء نالوا الجنسيّة عن اقتدار، وهم بحرينيّون ولا أمتلك أيّ امتياز عليهم، ويجب حماية عموم أبناء من جنّسوا منهم من أيّ همز أو لمز.

ثانياً: التفريط في أملاك الدولة، عبر تقديم الملك هذه الأملاك كهبات لأهله وللبطانة التي تقوم بمدحه وتخوين منتقديه. لقد أدّت هذه السياسة للتفريط في أهم أصول الدولة كما أدّت لارتفاع تكلفة إنشاء المشاريع الإسكانيّة، ومجمل المشاريع الحكوميّة والخاصّة، وأصبح من الصعب على ذوي الدخل المرتفع شراء أرض وبناء بيت، فضلاً عن محدودي الدخل والطبقة المتوسطة.

ثالثاً: فتح الباب أمام الخطابات والسياسات العنصريّة ضدّ العجم، والخطابات والسياسات الطائفيّة ضدّ الشيعة، وتفسيق الخط السنيّ المعتدل ومحاربته. كلّ ذلك أدّى إلى اضطهاد العجم بشكل خاص والشيعة بشكل عام، وكلّ من طالب بالإصلاح. وبهذه السياسات يكاد الملك أن يقفل كلّ الأبواب أمام مساعي تطوير مؤسّسات الدولة بشكل سلميّ وتدريجيّ.

رابعاً: شجّعت سياسات الملك بعض البحرينيّين على الانتهازيّة والبلادة، فبدلاً من الاهتمام بالتعليم، وريادة الأعمال والتطوّر الوظيفيّ سعى بعضهم لجني مغانم سياسات الإقصاص والعزل. أبناء هذه الفئة هم أكثر من أشفق عليهم لأنّهم تورّطوا بأبوين لا يدركان أهميّة التعليم والمثابرة، وعلى الجميع أن يقف لإنقاذهم، فإعادة تأهيلهم تتطلّب ما يشبه المعجزات.

خامساً: تفليس الدولة، حيث سيكون من يخلف الملك في ورطة كبيرة بسبب العجوزات المتراكمة التي جعلت من الدين العام تهديداً حقيقيّاً لسيادة الدولة. لقد كان الملك محظوظاً بسبب ارتفاع أسعار النفط في مجمل فترة ولايته، ولكنّه فوّت على البحرينيّين فرصة الرخاء والاستثمار في البنية التحتيّة والتعليم وتنويع مصادر الدخل. ولم يقتصر الأمر على التفريط في موارد الدولة بل طال التفريط في أموال الناس عبر الفساد والتقصير في إدارة أموال المتقاعدين، وعرض بعض المنافع التقاعديّة القائمة على قرارات حكوميّة ارتجاليّة لأجل أهداف سياسيّة.

قد لا يكون الملك قد باشر كلّ هذه السياسات بنفسه، ولكنّه هو من وضع الدستور، وشاء لنفسه أن يكون من يعيّن السلطة التنفيذيّة والقضائيّة ونصف السلطة التشريعيّة، ويرسم الدوائر الانتخابيّة، ويهب الأراضي والجنسيّات، وبذلك يكون هو المسؤول عن كلّ هذه السياسات الكارثيّة. لقد اتّخذ الملك خطوات في الطريق الصحيح حين أفرج عن المعتقلين السياسيّين وسمح بعودة المنفيّين وأعطى الجنسيّة لبعض البحرينيّين من العجم الذين حرموا منها دون وجه حقّ، كما أطلق مستوى غير مسبوق من الحريّات، واتّخذ الملك أيضاً القرار الصحيح حين دعى لتشكيل لجنة تقصّي الحقائق، وحين أعلن قبول التقرير وتوصياته. لكنّ هذه السياسات لم تكن مستقرّة؛ فإنكاره لجرائم حقوق الإنسان- التي لا تزال مستمرّة- ينسف كثيراً من السياسات الصحيحة التي اتّخذها الملك في الماضي.

لضمان مستقبل آمن فإنّ أسلم الطريق وأقصرها لا يرتبط بالسياسة الأمريكيّة وزيارة مسؤولها كما لا ترتبط بالسعوديّة أو الإيرانيّة أو غيرها، بل يرتبط بقرار من الملك – الذي يستحوذ على كلّ الصلاحيات والنفوذ- لتصحيح ما يمكن تصحيحه من كلّ هذه السياسات الكارثيّة. وإلى أن يفيق الملك أو يفقد ملكه، ليس أمام البحرينيّين غير التصدّي بقدر استطاعتهم لهذه السياسات والإصرار على الجهر بآلامهم وتطلّعاتهم في نيل حقوقهم، عبر الصبر والمثابرة والاهتمام بالتعليم والتكافل، فهذه هي المصاديق الحقيقيّة للصمود. وستظلّ يدنا ممدودة لأيّ طرف يرغب في إيجاد تسويات عادلة.

*نائب برلمانيّ سابق وقياديّ في جمعيّة الوفاق


رابط المختصر : manamapost.com/?p=2014075508


المواضیع ذات الصلة


  • الشهيد أحمد اسماعيل.. «ما لم توثّقه العدسة»
  • الكمائن المفضوحة للن­ظام في محاكمة الشيخ عيسى أحمد قاسم.. سمٌ وعسل!!
  • فورمولا الدم من جديد… سباق في ضيافةِ مستبدّ..
  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *