Thursday 25,Apr,2024 10:08

صحيفة بحرينية مستقلة

صحيفة بحرينية مستقلة

العرادي لـ«منامة بوست»: الإسعاف يدار من قبل «المخابرات».. ولم أعط السلطة نصرًا سياسيًّا عليّ

منامة بوست (خاص): الطبيب إبراهيم العرادي، فاصلة من فواصل جمل الثورة البحرينيّة، التي انطلقت في الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011. شكّل سياقًا مهمًا في مفصل مهم، برز في مهمّته بقسم

منامة بوست (خاص): الطبيب إبراهيم العرادي، فاصلة من فواصل جمل الثورة البحرينيّة، التي انطلقت في الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011. شكّل سياقًا مهمًا في مفصل مهم، برز في مهمّته بقسم الإسعاف في مستشفى السلمانيّة، مرّت عليه أكثر الصور دمويّة، التي رسمتها ريشة وزارة الداخليّة على لوحة الوطن، الريشة غير الرشيقة التي قلبت البلاد إلى بركة دم وحزن، وبالتأكيد فإنّ العرادي يملك ذاكرة مليئة بالأحداث المهمّة.

«منامة بوست»، وبمناسبة إكماله خمس سنوات في المنفى، أجرت معه هذه المقابلة، التي كشف من خلالها أمورًا لافتة، منها، كما ذكر:

· لن أنسى عشيّة استشهاد الشهيد أحمد الفرحان ..هي أخطر ليلة مرّت على حياتي.

· رحّلوا طبيبًا مصريًّا لأنّه عالج المصابين.

· أخبرني أحد المستشارين أنّ المخابرات تبحث عنّي.. فهاجرت.

· استخدمت اسمًا مواربًا.. لكنّ المخابرات كشفتني.

· حينما أيقنت اعتقالي، ودعّت أمي.

· النمسا محطّة فرح لنجاتي وحزن على فراقي.

· قسم الإسعاف الآن يدار من قبل المخابرات وطاقمه من الفلبّين.

· كلّ ما جرى على القطاع الطبيّ من انتهاكات وظلم هو من نتاج السياسة الخاطئة والمتهوّرة والحاقدة.

· أخبرت بإسقاط جنسيّتي عبر «الواتس أب».

منامة بوست: حدّثنا عن تجربتك في 14 فبراير، في جانب إسعاف المصابين في الحراك، ما هي الجوانب التي نقشت في ذاكرتك ولماذا؟

الدكتور ابراهيم العرادي:14 فبراير 2011 هو من أهمّ أيّام حياتي، في هذا اليوم كسر حاجز الخوف من العقدة التاريخيّة، وهي سيطرة النظام علينا، وبفضل حراك الشعب الثوريّ أيقنت أنّ حكم القبيلة ليس قدرًا ولن يكون قدرًا علينا.

الانتفاضة الطبيّة المباركة والمسؤولة للكادر الطبيّ البحرينيّ، التي انطلقت في أدقّ الظروف خطورة على أرواح جمهور الحراك، فتحت لي أفقًا كبيرًا ونقلتني إلى الميدان، بكلّ ما تحمل كلمة خطورة الميدان من معنى.

كان لي، وما زال، الدكتور علي العكري أخًا وزميلًا ومعلمًا، وكذلك الدكتورة رولا الصفار، والأخ العزيز إبراهيم الدمستانيّ قدوة، كلّ زملائي من الكادر الطبيّ الذين أعتزّ بهم وأحبّهم، كانوا مثالًا للمهنيّة وعينهم على إنقاذ حياة الجرحى، ولا أنسى الممرّضين والممرّضات الذين لولاهم لتضاعف أعداد الضحايا عشرات المرّات.

aradi talkهذه العوامل جعلتني لا أبالي بما يحصل لي من مخاطر، وكنت أحمل روحي على كفي في إنقاذ أيّ حالة في أخطر الأماكن، وكنت على تواصل مع مختلف الزملاء، وكذلك المصابين لفضح الجرائم وإرسال الإستغاثات للمجتمع الدوليّ.

لن أنسى عشيّة استشهاد الشهيد أحمد الفرحان، وهي أخطر ليلة مرّت على حياتي.

توجّهت مع الطاقم الطبيّ في سيارة الإسعاف من مجمع السلمانيّة إلى مركز سترة الصحيّ قرابة منتصف الليل، وكانت سترة مظلمة والوضع الأمنيّ خطير، ودخلنا إلى المركز وهو يعجّ بالمصابين والتقيت الطبيب المصريّ المخلص علاء زيدان، الذي تمّ ترحيله من البحرين لاحقًا عقابًا على علاجه المصابين في سترة، ورأيت والد الشهيد الفرحان وهو في حالة صدمة مما حدث لابنه وقبّلته على رأسه، بعدها تلقّينا اتصالًا لنخرج من المستشفى لنسعف أحد الجرحى في قرية الخارجيّة، وما إن وصلنا حتى أحاطت قوّات الشغب سيارة الإسعاف، وأخرجونا منها وبطحوا الطاقم الطبيّ على الأرض وربطوا السماعة الطبيّة على رقبتي لخنقي، ثم ذهبوا إلى إحدى الممرّضات ليعرّوها من ملابسها وهددوها باغتصابها، في الوقت الذي كان الجريح متروكًا على الأرض ينزف وإصاباته كانت متوزعة على أنحاء مختلفة من جسمه، وكان أحد قوّات الشغب «باكستانيّ» يوجّه سلاحه على رأسي طوال الوقت، ينتظر الإشارة لقتلي، بقدرة قادر تفاوضنا مع الضابط المسؤول وسمح لنا بأخذ الجريح شرط أن أعالج واحدًا من الشغب الذي كانت إصابته جدًّا طفيفة، فعالجته ثم توجّهنا للجريح وهو ينزف وكان يتشهد الشهادتين، وضعت يدي على الجرح لأوقف النزيف، إلى أن وصلنا الى مجمع السلمانيّة في دقائق معدودة، والحمدلله تمّ إجراء عمليّة جراحيّة سريعة له، وتمّ إنقاذ حياته من قبل طاقم قسم الجراحة، وأشكر كلّ الطاقم الموجود معي، كانت ليلة قاسية، بعدها بساعات تمّ تطويق مجمع السلمانيّة من قبل القوّات السعوديّة واحتلاله.

بوست: كيف قرّرت الهجرة وكيف تحصل ذلك؟

العرادي:لم أقرّر أن أترك البحرين، ولم ترد في بالي فكرة الهجرة أبدًا، كنت أغطي الحدث بعيدًا عن الكاميرات ولم أظهر باسمي كاملًا في الإعلام، استخدمت اسم: إبراهيم علي، حتى التقيت قبل أيّام معدودة بأحد الإستشاريّين الذين تمّ اعتقالهم لاحقًا، وأخبرني أنّ المخابرات تبحث في كلّ مكان في المستشفى عن شخص اسمه: إبراهيم علي. عندها أيقنت أنّ وضعي أصبح خطيرًا وسيتم الكشف عني.

في تاريخ 12 أبريل 2011، أي قبل 5 سنوات من الآن، وحوالي الساعة العاشرة مساءً، أعلن عن حلقة ترويجيّة على تلفزيون البحرين الرسميّ تخصّ الكوادر الطبيّة «المتورطين» – بحسب تعبير القناة- وسيتم عرضها في اليوم الثاني، وعرض مقطع فيديو لي فيها بدون ذكر اسمي وبدون صوت.

عندها أدركت أنّ مسألة اعتقالي هي مجرّد سويعات معدودة فقلت لوالدتي حينها هذه الجملة: «هذا وداع، قد لا يكون لي معكم لقاء بعده». فحجزت التذكرة عبر الإنترنت على أقرب رحلة إلى أوروبا «النمسا»، واستأجرت تاكسي وغامرت بانطلاقي إلى المطار، حيث أوقفوني لفترة طويلة عندما عرفوا أنّي شيعيّ ليتأكدوا مني، وأخذوا هاتفي الذي أفرغته من كلّ محتوياته، والشكر لله أنّ معلوماتي لم تكن قد وصلت إليهم، وقبل انطلاق رحلتي بدقائق سلّموني الهاتف والجواز ودخلت إلى الطائرة، ولم أكن مصدقًا أنني نجوت منهم، إلى أن وصلت إلى فيينا عاصمة النمسا وطمأنت الأهل، وفي قلبي اختلطت المشاعر بين فرحة نجاتي منهم وألم الفراق والرحيل.

بوست: كيف تلقّيت خبر إسقاط الجنسيّة؟ وبأيّ ظروف تعيش ابنتك الوليدة من دون جنسيّة؟

العرادي: ملفّي الأمنيّ في وزارة الداخليّة الخليفيّة كان نظيفًا، ولم أرتكب جريمة ولم أمسك بسلاح، ولم أتآمر على أحد، ولم ترسل لي إحضاريّة، ظهر يوم السبت 31 يناير 2015 وصلتني رسالة عبر «الواتس أب» من أحد الأصدقاء، تحتوي على قائمة بمجوعة 72 مواطنًا أسقطت جنسيّتهم ومن بينهم أنا، لم أستغرب وسلّمت أمري لله الذي أنقذ حياتي منهم، وهو من تكفّل بي وما زال يتكفل، فلم أعط النظام أيّ نصر سياسيّ، بل كنت وما زلت في أقوى حالاتي المعنويّة والنفسيّة، وأشدّ إصرارًا من أيّ وقت مضى على النضال وإيصال الصوت، وابتكار أيّ وسيلة حضاريّة متطوّرة تساعد شعبي في الداخل على تحقيق مطالبه واقتلاع حقوقه كاملة.

ابنتي مريم هي ضحيّة هذا الإجراء التعسفيّ وغير القانونيّ وهي تدفع الضريبة الكبرى ولا ذنب لها.

وحتى قبل إسقاط جنسيّتي حاولنا مرارًا أن نستخرج جوازًا لها، لكنّ دائرة الهجرة والجوازات كانت ترفض، بل هدّدت من يتابع الموضوع بالاعتقال إن حاول مرّة أخرى.

بوست: ما هي الظروف المعيشيّة والإنسانيّة والأمنيّة آنذاك للكوادر الطبيّة الذين تمّ اعتقالهم وفصلهم؟ وكيف ترك ذلك من آثار على كافة الأصعدة في حياتهم؟

aradi smileالعرادي: الأطباء هم من أكثر الكوادر البحرينيّة الذين نكّل بهم النظام عبر طرق تعذيبهم المختلفة والمتنوّعة، التي كشف شيء منها للرأي العام، تمّ ممارسة جميع أنواع الانتهاكات بحقّهم لأنّهم هم من فضحوا انتهاكات النظام بالدلائل العلميّة وبالأرقام والصور، ولأنّهم أنقذوا حياة المئات بل الآلاف من المواطنين الذين لا يريد النظام لهم أن يعيشوا، قسم من الإستشاريّين اضطر إلى الهجرة، وقسم كبير منهم نزلت رتبهم، وفصلت وزارة الصحة عددا منهم، وما زال التضييق على أغلبهم، الطبيب المخبر «عيسى الشروقي» استشاريّ أمراض عصبيّة لعب دور المخبر والوشاية على زملائه الأطباء، وتعرّض الكثير منهم للاعتقال والتعذيب بسببه، حيث كان يلبس قناعًا عند التعريف بهم في مبنى التعذيب والمخابرات، هذا ما قاله لي أحد الاطباء الاستشاريّين المفرج عنهم.

الأطبّاء ضميرهم مطمئن، لأنهم لم يرتكبوا خطأ ولم يخونوا بلدهم، بل ضحّوا بحياتهم لإنقاذ الجرحى، وخدمة وطنهم، وما زال البعض منهم يعاني من إعاقات جسديّة وأضرار نفسيّة بالغة.

بوست: كيف أضحى قسم الإسعاف، سواء على مستوى الإدارة أم طبيعة الخدمات؟

العرادي: قسم الإسعاف استلمته طواقم من الفلبين ومن دول مختلفة، وتحرّكه مخابرات أمن الدولة والاستخبارات العسكريّة برئاسة عائشة بوعنق، وكثير من الذين فقدوا حياتهم من الشهداء أخيرًا كان نتيجة لهذا الأمر، بل أصبحت سيارات الإسعاف مزوّدة بكاميرات مراقبة لاصطياد جرحى شباب الثورة، وتقديمهم على طبق من ذهب لمخابرات القبيلة الحاكمة.

بوست: هل تشتاق إلى مستشفى السلمانيّة حتى بعد طأفنة إدارته؟

العرادي: بالتأكيد أشتاق إلى مجمع السلمانيّة كلّ يوم، فقد قضيت فيه فترات غالية من عمري مع أفضل الأطباء والإستشاريّين، ويؤسفني أنّه تحوّل إلى معرض صور ودعاية احتفاليّة تلمع صورة الحكومة الزائفة، ويؤسفني قبول الوزيرة فائقة الصالح أن تكون الأداة لهذه الفضيحة، حيث يعيش أغلب أطبّائنا بلا رواتب، وعدد كبير منهم بلا وظائف.

وحلمي أن أرجع إلى هذا المجمع الغالي وأنا حاصل على درجة الاستشارة «الدكتوراة» إن شاء الله.

بوست: هل ما حدث جعلك تتعلّق بالسياسة والحقوق؟ أو إنّك ترى ذلك أمرًا عابرًا سينتهي بانتهاء المشكلة السياسيّة في البحرين؟

العرادي: كلّ ما حدث على القطاع الطبيّ من انتهاكات وظلم هو من نتاج السياسة الخاطئة والمتهورة والحاقدة على السكان الأصليّين في البحرين، رأيت نفسي مضطرًّا ومجبرًا على أن أدخل هذا المعترك السياسيّ الجديد، عليّ أن أساهم بإيصال صوت المظلوميّة لمن لا يستطيع إيصال صوته، إن انتهت هذه الأزمة بسلام لا أريد إلا أن أكون في هذا المجمع، وفي عيادتي مع المرضى وبين زملائي وأساتذتي الذي هم من أفخر بهم دائمًا وأتعلم منهم.

بوست: بعد إكمالك خمس سنين في المنفى، هل ثمّة تفاؤل ينتاب الدكتور إبراهيم العرادي بشأن البحرين؟

العرادي: اليوم، وبرغم مجريات الأحداث، أنا أكثر أملًا وتفائلًا من أيّ وقت مضى، ولا أنكر أنّ فضل يوم 14 فبراير عليّ كبير ومهمّ، وغيّر كلّ مجريات حياتي، خاصة أنّ فترة ما بعد الميثاق كان خدعة وتخدير وكمين للشعب، نصبه الملك ومن حوله، وكانت فترة غصّة علينا جميعًا، والحمدلله بدأت الثورة وما زالت مستمرّة والتغيير قادم لا محال. وإن شاء الله سنرجع إلى بحريننا الغالية، طال الزمان أم قصر وسننتصر.


رابط المختصر : manamapost.com/?p=2016044133


المواضیع ذات الصلة


  • قيادي في «ائتلاف 14 فبراير لبوست»: «وثائقيّ «بحارنة لنجة» حمل رسائل متعدّدة وفتح ملفًا حسّاسًا سعى النظام لطمسه»
  • الباحث المصريّ حمادة لطفي لـ «منامة بوست»: حصار الدراز عارٌ على جبين حكّام السعوديّة الخبثاء
  • الباحث الإستراتيجيّ خالد حمّود لـ «منامة بوست»: حصار الدراز أشدُّ لؤمًا من حصار العدوّ الإسرائيليّ لقطاع غزّة
  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *