منامة بوست (خاص): ليسوا في حالة حربٍ أو تأهب.. وليسوا مقبلين على سفرٍ طريقه طويل.. وليسوا مهددين بمجاعةٍ مرتقبة.. كما أنهم لم يُصابوا بهستيريا أو جنون التبضّع والاستعداد لبياتٍ شتوي في ليالي فبراير الباردة..!

ربما هي حربٌ ضد دكتاتورية قبلية، وقد تكون رحلةً شاقة مضنية.. رحلة جياعٍ للحرية، أصابتهم هستيريا الثورة في ليالي فبراير بطاعتهم لعصيانٍ يحفظون به عزتهم وكرامتهم في الساحات التي لم يبارحوها طيلة الثلاثة أعوام الماضية.

عدٌ تنازلي لعقارب ساعة العزة التي طافت جميع المواطن والبلدات والمدن، وأشعلت نيران دفئها في قلوب من حركوا عقاربها في برد الليالي الماضية، وصولاً لهذه الليلة التي حبس الجميع أنفاسهم، بعد أن تطايرت أوراقٌ هنا وهناك، واستقرت بعضها على جدران المنازل وأبواب الحوانيت، وبكل اللغات قالت: إننا عاصون..

أُطفئت الأنوار.. وأرخى الظلام عباءته على جميع المنازل والشوراع والطرقات، لاصوت ولا نَفَس.. هدوء تام وكأن معركة للتو انتهت.. وكأن معركة أخرى ستبدأ.. أعذرونا نحن متأهبون للطاعة والعصيان..الجميع مطيعٌ وعاصي.. أطفالنا لم يخافوا صيحات التكبير المدوية في كل الأجواء، وبفطرتهم وبرائتهم رفعوا قبضاتهم، دون أن نفقه تكبيراتهم على نظامٍ مجرمٍ ينوي قتل أحلامهم.. طفولتهم.. مدارسهم.. وساعة اللعب يغتالهم.. هكذا كانت تكبيراتهم.. غاضبة، عصيّةٌ وعاصية بكل عزّة، توقفوا عن البكاء والخوف.. توقفوا عن النمو.. أرادوا تغيير الزمن.. الوجوه.. القوانين.. النظام..!

تدريجياً.. تهدأ الأصوات والحركة في الشوارع والأزقة والطرقات.. لا شيء سوى همهمات الدعاء وقراءة القرآن.. وعباراتٌ تصرخ على الجدران وسط ظلامٍ دامسٍ ينتظر الصباح ليتنفس.. بحرية.. بطاعة.. بعصيان.. بكرامةٍ وعزّة.. لحظةٍ تتلوا لحظة.. وصرخة تتلوا صرخة.. الله أكبر.. نحن العاصون.. أقسمنا.. بقرآننا والصبح إذا تنفس.. نحن في عصيان.. عصيان العزة..!