Thursday 28,Nov,2024 06:49

صحيفة بحرينية مستقلة

صحيفة بحرينية مستقلة

جعفر الجمريّ لـ«منامة بوست»: بعض المثقّفين «كائنات هشّة» و«جسور لغايات السُلط»

منامة بوست (خاص): في حديثه مع «منامة بوست» قال الشاعر جعفر الجمريّ أنّ هناك تواطؤاً مارسه بعض المثقّفين مع كلّ حراك، وأنّ الرابع عشر من فبراير وضّح المواقف، مؤكّداً على أنّ العصر

منامة بوست (خاص): في حديثه مع «منامة بوست» قال الشاعر جعفر الجمريّ أنّ هناك تواطؤاً مارسه بعض المثقّفين مع كلّ حراك، وأنّ الرابع عشر من فبراير وضّح المواقف، مؤكّداً على أنّ العصر الراهن يعيش فيه البحرينيّون محاصرين بالغرباء والعتْه والغرور وجاهليّة في العقد الثاني من الألفيّة، واعتبر الجمري بعض المثقفين جسوراً يُمَرُّ عليها لتحصيل الغايات، منوّها بأنّ نقدهم يكون بالتهكّم والتسذيج العابر. لكي لا يعطى الهراء قيمة حسب وصفه، وهذا نصّ المقابلة:

بوست: كيف تجد دور المثقّف في ثورة الرابع عشر من فبراير؟

الجمري: حتى قبل ثورة ١٤ فبراير كانت هنالك ممارسات تنمّ عن ختَل وتواطؤ مارسه المثّقف مع كلّ حراك مطلبيّ، الفارق أثناء وبعد ١٤ فبراير أنّ المواقف اتّضحت في سفورها. أولئك من أُصرُّ على وضعهم بين هلالين «المثقفون السابقون»، ليس بعد ١٤ فبراير؛ بل قبل ذلك بزمن بعيد. فقط كأنّنا كنّا بحاجة إلى زلزال كي يتضّح لنا التمحيص، تتضح لنا لياقة الضمير والأخلاق والروح، أعني الروح هنا: أن تشعر بوحشة شبيهة بوحشة القبر حين تأوي إلى نومك وقد انتصر شيطانك البذيء عليك بإيراد الناس مهالك ترى فيها منجاتك، لا يهمّني الذين لجؤوا إلى تورية في الخطاب، أو خطاب التورية تمسّكاً بأستار بيانات تعجّ غموضا في وضوح وصراحة وشمس الدم. لا يهمّني بمعنى أنّ أذاهم لم يكن بذلك السفور والوقاحة، وإن صمتوا عبْر ذلك الغموض، الصمت والغموض ولغة بيانات مساندة بغموض أيضاً للبيان العسكريّ رقم 1 نوع من التواطؤ وإن كان يخلو من تشفٍّ وتحريض؛ لكنّه يأتي في الدرجة الثانية من موزاييك التواطؤ!

بوست: هل مفهوم الثقافة النقديّة قد عملت مباضعها في خطاب السلطة؟ وكيف أثّرت المصالح على روح الأثر الثقافيّ؟

الجمري: لا أدري ما ترمي إليه؛ لكن أجزم أنّك تعني هنا بالخطاب النقديّ وضع مِقراب لتوضيح ما هو بعيد أو عصيّ على الرؤية، خطاب السلطة في أدنى درجات سذاجته وسطحيّته وبعبارة صريحة: غبائه؛ لذا لجأ كثيرون إلى التندّر والسخرية، في النقد لا تجرؤ على ذلك من حيث هو قيمة وممارسة وإدراك عميق وتجاوز وتسلّح بأدوات وإمكانات منهجيّة لا تأتي هكذا ببركة العبط واستهبال الذين يستقبلون ذلك النقد. ثمّة نظريّات استقبال في هذا الشأن لم تقم ويُقعّد لها لنَفَر من السذّج والسطحيّين والأغبياء. لن نُستدرج إلى تلك المساحة وكأنّنا نعترف بقيمة الهراء الذي يطلع علينا من وسائل معلومات السلطة، نكتفي بالتهكّم والتسذيج العابر، لدينا ما هو أهم من التفرّغ للردّ على الهراء!

بوست: اشتهرت تغريدات الشاعر جعفر الجمري بالتشبيهات والكنايات اللاذعة في نقد السلطة ومواليها، ما الذي جعلك تختار هذا النمط من النقد؟

الجمري: أعتقد أنّ جزءاً من الإجابة تمّ التطرق إليه؛ لكن فيما يتعلّق بتناولي قد يكون مرتبطاً بطبيعة المهنة «الصحافة» من خلال متابعة الملف المحليّ بالدرجة الأولى، والإقليميّ والعربيّ والدوليّ. الانحياز والتركيز على المحليّ وما يلتقي معه أو يشابهه في الملفات الأخرى، بعبارة أخرى: لن تجد في كلّ ما تقرأ أشد إيلاماً ووجعاً من التحايل على الكارثة من حولك بسخرية تعرّيها وتضعها في حجمها الطبيعي؛ تلك نقطة. نقطة أخرى، نحن إزاء أجهزة تحصي عليك أنفاسك وتترصّد أصحاب الرأي؛ وخصوصاً أولئك الذين لا يختبؤون وراء أسماء تحصّنهم من البطش والمساءلة. عليك هنا أن تكون قادراً على تحمّل تبعات ذلك الموقف من جهة ومواصلة تأكيد: أنّنا محاصرون بالغرباء والعتْه والغرور وجاهليّة في العقد الثاني من الألفية أشدّ تراجعاً وفظاظة من جاهليّة قريش الأولى!

بوست: احتوت الحملات الإعلاميّة للسلطة على استضافة مثّقفين كانوا نجوماً في واجهة الثقافة البحرينيّة، هل الاستقواء بالمثقّف حالة وجدت صداها وأثرها لصالح النظام في رأيك؟

الجمري: حدث ذلك الاستقواء منذ السُلَط الأولى والوعي الأول. لن يخلو زمن من ذلك الاستقطاب واعتبار بعض المثّقفين جسوراً يُمَرُّ عليها لتحصيل الغايات، ذلك أوّل اهتمام السُلَط في مآزقها والوُرَط التي أوقعت نفسها فيها، مثل تلك الحملات لم تحتوِ نجوماً في واقع الأمر. احتوت كائنات هشّة، في استواء الأمور واستقرارها ستجد كلّ ملامحها حناجر، لن ترى حتى هيئة الإنسان عدا روحه وضميره. لذا، تعرف السُلَط تماماً من الذين يمكن احتواؤهم؛ ليس فقط الذين تورّطوا في قضايا وملفات جنائيّة ستشطب في الممالئة والرضوخ؛ حتى أولئك الذين من دون تاريخ جنائيّ يمكن اعتباره مدخلاً للابتزاز، الذين لا قِبَل لهم بالخسارات ضمن حساباتهم. المضحك في الأمر أنّ ذلك الاستقواء أدّى إلى إضعاف وترهّل موقف تلك السُلَط لاستمرار تلك النوعية من المثقفين ممارسة ابتزاز ومزايدات ضاقت منها السُلَط ذرعاً، ونرى أوجهاً للتخلي عن نماذج منهم أو على أقل تقدير: تهميشهم وركْنهم على الرف!

بوست: هل يمكن إعادة الخارطة الإعلاميّة لما قبل الرابع عشر من فبراير، في ظلّ انقسام أغلب الإعلاميّين والمثقفين إلى شطرين، قسم مع السلطة وآخر مع المعارضة؟

الجمري: سأختصر المسألة وأعيدك إلى قرن إلا قليلاً هو عمر الصحافة والإعلام في صوره البدائيّة، ذلك بيرق الفخار الذي يرفع في استدعاء تاريخ البلد ومن بينه الإعلام. الصحافة والإعلام عموماً تراجع لقرن من الزمن بالأداء الوحشيّ والتبريريّ المتمصلح، إذا استثنينا صحيفة «الوسط» وسط كلّ هذا الاستهداف المفتوح لا على المشروع وحده الذي يمثّل صوت الناس وقضاياهم في الحدود المتاحة من التضييق؛ بل الكوادر نفسها، ولنا في الكوادر الرئيسة وما حدث لها بعد قمع المحتجّين في دوّار اللؤلؤة. لا خريطة إعلاميّة يمكن التحدث عن وجودها فيما يتعلق بالسلطة، ثمّة فوضى لا تحتاج إلى خريطة، ثمّة تخبط لا يحتاج إلى وصْفة، والانقسام هو جزء من فوضى التعاطي مع ملفات البلد؛ يُراد لذلك الانقسام أن يسود، ويُراد له أن يتأبّد.

بوست: ما الذي أفرزه الحراك الثوريّ مفاهيميّاً وثقافيّاً في رأيك؟

الجمري: أفرز وضوح الخيارات باختصار، خيارات لا يمكن أن يتمّ التلاعب بها تحت أيّ عنوان أو إغراء أو حلول مؤقتة، وتلك هي الخطورة على الطرف الذي صعّد من قمعه واستجلابه لأمم الأرض كي يكونوا شركاء في الكارثة وصنّاعاً لها. أبرز تلك المفاهيم الوعي بتجارب النكوص والخديعة والمكر والاستنزاف والتهميش والحلْب الذي مورس طوال عقود. آن لذلك أن يتوقف مهما كانت الكُلف، مثل ذلك الوعي إذا صمد ورابط سيقدّم لنا ثقافة تغيير في النمط والقيمة التي نريد أن نكون عليها، لا نريد ثقافة نصوص تتآمر علينا مع كلّ تحوّل وكارثة. لا نريد مثقفين برسْم التجنيد الإجباريّ والاختياريّ ليكونوا شركاء في المذبحة!

بوست: أين تجد النخبة اليوم في سياق المتغيّر الميدانيّ والسياسيّ الكبير على الساحة البحرينيّة؟

الجمري: الأدوار تبدّلت في هذا المعترك وإن كانت بشكل مؤقت، حيث يعود كلّ إلى موقعه وحدوده. بمعنى، أنّ النخب اليوم إمّا متواطئة وإمّا مع الحراك، ولكنّها لا تملك القدرة على توجيهه وخصوصاً في الشارع الذي ملّ من النصوص والبيانات. النخب اليوم، لا تأثيراً بالغاً تمارسه على جزء كبير من الشارع لا يرى أملاً على مستويين: مستوى استجابة السلطة إلى مطالب مشروعة وبديهة، ومستوى بعض النخب التي مازالت تعوّل على القرْص المُخدّر فيما يسمى الإصلاح، وليته كان مخدراً في السنوات الثلاث الماضية، كان بطعم ورائحة ووجع الغاز والشوزن وما يدور في غرف التحقيق والممارسات في الشارع من قبل قوّات الأمن.


رابط المختصر : manamapost.com/?p=2014075841


المواضیع ذات الصلة


  • قيادي في «ائتلاف 14 فبراير لبوست»: «وثائقيّ «بحارنة لنجة» حمل رسائل متعدّدة وفتح ملفًا حسّاسًا سعى النظام لطمسه»
  • الباحث المصريّ حمادة لطفي لـ «منامة بوست»: حصار الدراز عارٌ على جبين حكّام السعوديّة الخبثاء
  • الباحث الإستراتيجيّ خالد حمّود لـ «منامة بوست»: حصار الدراز أشدُّ لؤمًا من حصار العدوّ الإسرائيليّ لقطاع غزّة
  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *