منامة بوست (خاص): من الأساليب المتّبعة في الصراعات السياسيّة لعبة «عضّ الأصابع»، وتتمثّل في «تحدّي طرفي النزاع» لبعضهما في لحظة حرجة، يتوقّع أن يستسلم أحدهم في أيّ وقت، وهذه اللعبة الصعبة تكون راجحة لمن يمتلك كميّة جيّدة من «أوراق التفاوض».
في اعتقال الشيخ علي سلمان أمين عام جمعيّة الوفاق، يرى البعض أنّها لعبة «عضّ أصابع» مدعومة دوليًّا، ويستشرف أصحاب هذا الرأي إلى أنّ تجديد حبس سلمان لأسبوعين آخرين، يعضد هذه الفرضيّة، ويؤكّد على استخلاص الثمرة بعد المدّة المفترضة التي يكون فيها الطرف المعارض منهكًا، وعلى استعداد لتقديم تنازلات سياسيّة.
لكنّ بعضًا آخر يرى أنّ الأحداث المتوالية هي مجرّد بالونات اختبار لقدرة المعارضة على صنع «الفعل» في قبال ما يحاك في مصانع السلطة من أفعال أمنيّة بلبوس سياسيّ وإعلاميّ.
والمتتبع يتمكّن من قياس هذه الخطوات المتتالية التي تتّخذها السلطة عبر عدّة مؤشّرات أطلقتها الأجهزة الأمنيّة، من قبيل: حبس أمين عام جمعيّة الوفاق في بداية الأمر لمدّة أسبوع ابتدأ من يوم الأحد 28 ديسمبر/ كانون الأوّل، وفي أثناء هذا الأسبوع تعمّدت السلطة تسريب كمّ هائل من الإشاعات والتوقّعات تتعلّق بتمديد حبسه، من ثم جدّدت السلطة هذا اليوم، الخامس من يناير/ كانون الثاني مدّة حبسه لأسبوعين، ورفضت ما تقدّمت به لجنة الدفاع من إخلاء سبيله بكفالة، أو ضمان محلّ إقامته.
وقد صاحب هذه المخاضات الأمنيّة قمع شديد شامل لكلّ الفعاليّات المقامة تضامنًا مع الأمين العام، وتكسير للمتلكات واعتقالات، عمدت السلطة إلى أخذ الحذر من وقوع قتلى في صفوف المتظاهرين، لئلا تؤجج رمزيّة الشهداء في الضمير الشعبيّ الحدث أكثر مما هو متأجج.
والمعادلة بتلك الصورة تبتني على أنّ السلطة تريد أن يقتصر الموضوع على اعتقال رئيس جمعيّة الوفاق بغية التحقيق معه، على إثر تصريحات مثيرة للجدل.
وعليه، فإنّ لا تضاد بين «لعبة عضّ الأصابع» و«جسّ النبض»، حيث إنّ السلطة ذاهبة كما تؤشّر الأحداث إلى التأكّد من قياس ردّات الفعل، مع تصريفها في لعبة «عضّ أصابع» معارضة باتت محصورة في نطاق دوليّ حرج، إلا من لفيف شعبيّ ومؤسّسات سياسيّة وحقوقيّة غير حكوميّة، يمكن قراءة التعويل عليه من عدمه حسب الأحداث الدراماتيكيّة التي ستتوالى في الأيّام القادمة.
ومن هنا، يتضّح أنّ خيارات الناس المطلبية باتت رهينة «فعلهم» في البحرين، بحيث إنّ النطاقات الخارجيّة ستبني موقفها على حسب قوّة أو ضعف الحراك الشعبيّ من عدمه.
في هذا السياق يرجّح الكثير بأنّ رأي واشنطن في المخاض العملانيّ للسلطة مفتوح، إلا من حدّ انفلات الأمور من عقالها، وبالتالي فإنّ تفلّت الأمور هو الضربة التي قد تغيّر نوعيّة الضغط الدوليّ على المنامة.
ورغم كلّ ما يحدث في البحرين من نقاشات على عدّة مستويات حول هذا الأمر، فإنّ رؤية متبلورة وواضحة ومخرّجة في إطار نظريّ من صوت مسموع، لا يوجد، الأمر الذي يثير تعطّش المريدين لمثل هذا الطرح من القيادات المسموعة.
بعض نخب تيّار الممانعة يدفع إلى هذا الاتجاه، عبر التأكيد على رصّ الصفّ مع الجمعيّات، والتأكيد على أنّ رؤى هذا التيّار- أيّ الممانعة – هي رؤية أثبتت صحّتها عبر أربع سنوات من تصلّب النظام الخليفيّ إزاء مرونة الجمعيّات إذا ما قورنت تلك المواقف مع مواقف التيّار الممانع، ما يؤكّد- بحسب الممانعين- أنّ النظام لا يمكن إصلاحه حتى مع خيار الجمعيّات. ويذكّر الممانعون أتباع الجمعيّات بكلام الأستاذ عبدالوهاب حسين، حينما أطلق كلمة في الدوار بعنوان: «الوصيّة في الثالث والعشرين من فبراير/شباط 2011» وقال فيها، إذا سقط مطلب إسقاط النظام فلن تكون هناك أيّة فرصة لإقامة مملكة دستوريّة.
الواضح أنّ الأحداث الجارية تسرّع من خيارٍ ما من الخيارات المطروحة، والتي تتداول بشكل متسارع وشبه عميق.
وقد تضمّن هذا المعنى الكثير من كلمات أمين عام حركة حقّ الأستاذ حسن مشيمع، حينما قال في حديث له عام 2007، «سيكون هناك طموح لشعب يحمل فكر المقاومة والتحدّي، سيتصدّى للنظام مع مرور الأيام، وأضاف، النظام أرادها حرباً ولكنّ الحرب ستنقلب عليه، وأرادها سحرًا ولكنّ السحر سينقلب عليه وشعب البحرين يمتلك الإبداع والقدرة على إيجاد البدائل لكي يستمر النضال، ويصل النظام إلى قناعة بأنّه لن يستطيع أن يوقف الناس».
وأشار أمين عام حركة الأحرار الإسلاميّة الدكتور سعيد الشهابي إلى أنّ «نهاية النظام الخليفيّ وشيكة، وأنّ ساعة القصاص القانونيّ قد اقتربت، ودعا الشهابي في أكثر من مناسبة إلى مناجزة نظام آل خليفة، واصفًا إياه بالنظام المجرم العصيّ على الإصلاح».
وحذّر أمين عام جمعيّة العمل الإسلاميّ الشيخ محمد علي المحفوظ من أيّ تسوية، «ناعتًا آل خليفة بالقتلة، ومنوهًا بأنّه لا يمكن الحوار مع القتلة، وقال المحفوظ إذا ما انخدع الناس بأيّ تسوية، ستعاد الكرّة بعد سنوات وتعاد المشكلة الأمنيّة والسياسيّة، داعيًا إلى صياغة الشعب لنظامه».