Thursday 28,Nov,2024 07:50

صحيفة بحرينية مستقلة

صحيفة بحرينية مستقلة

التجنيس السياسيّ.. «إبادة جماعيّة» بالقانون!!

منامة بوست (خاص): خرج البحرينيّون قبل أكثر من ستّ سنوات مطالبين بالحريّة، في تظاهرات عُدّت الأكبر بين تظاهرات الدول التي شهدت ما سمي الربيع العربيّ، نسبة إلى عدد السكّان فيها، وتمكّن الشعب حينها

منامة بوست (خاص): خرج البحرينيّون قبل أكثر من ستّ سنوات مطالبين بالحريّة، في تظاهرات عُدّت الأكبر بين تظاهرات الدول التي شهدت ما سمي الربيع العربيّ، نسبة إلى عدد السكّان فيها، وتمكّن الشعب حينها من هزّ أركان النظام البحرينيّ، عبر الجموع الغفيرة التي فاقت تصوّره، معلنة عن بدء مرحلة جديدة من المواجهة في وجه التسلط والظلم.

وهنا كان لا بدّ للنظام من أن يواجه الحراك المحقّ بمختلف الأشكال وكلّ الوسائل والطرق الممكنة، فكان القمع والاضطهاد والوحشيّة العناوين الأساسيّة لأساليب الردّ التي اعتمدها النظام.

وأمام المدّ الجماهيري الحاشد، الذي عدّه المتابعون لتسلسل الأحداث في البحرين، مشهدًا أرعب النظام، وتيقّن معه أنّه أمام غالبيّة شعبيّة رافضة له لا يمكن نكرانها، وأمام أعداد من المواطنين لا يمكن له المجيء بنصفها، بل ربما لا يمكنه أن يأتي حتى بربعها، برزت أمامه مشكلة كبيرة تتمثّل في أغلبيّة شعبيّة ساحقة تطالب بإسقاط حكم عائليّ يقول عنه البحرينيّون أنّه مستبدّ، ولا يملك أيّ شرعيّة شعبيّة، ولا يمكن له الركون إلى الشارع في ظلّ عدم وجود الحاضنة الكافية التي تستطيع أن تحميه وتعينه على البقاء. وهنا كانت العودة إلى الحلول الأكثر تأثيراً في مواجهة هذه الأكثرية، فكان الاستمرار بوتيرة أعلى هذه المرّة، في عمليات التجنيس السياسيّ، إحدى أبرز أدوات المواجهة، دون إغفال الأساليب القمعيّة، والقتل، والاعتقالات لإخماد الثورة والقضاء عليها.

التجنيس السياسيّ كان أحد أبرز الأساليب التي اتّبعها النظام في سبيل تغيير الواقع الديموغرافيّ، وتبديل الطبيعة السكّانيّة لأهل البحرين، وجعل الأغلبيّة الشعبيّة أقليّة، والإتيان بمرتزقة من بلدان مختلفة لتعديل موازين القوى؛ ليصبح للنظام أرضيّة يمكن له أن يستند إليها من حماية، خصوصًا إذا كان هذا التجنيس مرتبطًا بحصول هؤلاء المجنسين على مواقع لهم داخل القوى الأمنيّة المختلفة.

قانون التجنيس في البحرين

يقول مراقبون إنّ مشكلة التجنيس السياسيّ في البحرين تعدّ من المشاكل المؤثرة في المجتمع، وواحدة من أهمّ الأسباب اندلاع الحراك الشعبيّ عام 2011، إلى جانب التهميش السياسيّ، والاضطهاد، والفساد، وحرمان الغالبية المطلقة من الشعب حقّها بالمشاركة الفعّالة في إدارة شؤون البلاد.

ويشكّل قانون التجنيس في البحرين الذي صدر عام 1963 م، إحدى أهمّ نقاط الخلاف التي شكّلت معارضة لسياسة النظام الحاكم التي يتّبعها داخل الدولة، مع الإشارة إلى أنّ قانون منح الجنسيّة للأجنبيّ يشترط تمتّعه ببعض المؤهّلات التي لا يمكن، بحسب القانون الذي صدّق عليه حاكم البحرين حينها عيسى بن سلمان آل خليفة وأقرّه، أن تمنح من دونها، وهي تتلخص في بعض النقاط:

– أن يكون طالب الجنسيّة قد أقام في البحرين مدّة خمس وعشرين سنة متتالية على الأقل، أو خمس عشرة سنة متتالية على الأقل إن كان عربيًّا، على أن تبدأ هذه المدّة بعد تاريخ العمل بهذا القانون.

– أن يكون حسن الأخلاق.

– أن يعرف اللغة العربيّة معرفة كافية.

– أن يكون لديه في البحرين عقار ثابت مسجّل باسمه.

ويؤكّد المتابعون لأوضاع البحرين أنّه على الرغم من أنّ السلطة الحاكمة فيها هي التي وضعت هذا القانون للعمل به، فإنّها هي نفسها من تخالفه؛ حينما تضرب بنوده الواحد تلو الآخر من خلال عمدها إلى سياسة التجنيس من دون احترام البند الأساسيّ المتعلّق بالإقامة لطالب الجنسيّة داخل البلاد سواء أكان عربيًّا أم غير ذلك، وهي بذلك تعطي الدليل الواضح على الأهداف المبيّتة لمثل هذا الأسلوب من تغيير في التركيبة الديموغرافيّة للسكّان، وتغيير الهويّة والثقافة لأبناء البلد الأصليّين، وأيضًا من أجل ضمان الحصول على الأغلبيّة في أيّ انتخابات تجريها السلطة.

أشار «عمر الشهابي» مدير مركز الخليج للدراسات السياسيّة، إلى أنّ اعتماد الملك حمد على المهاجرين، والمهاجرين السنّة بشكل خاص، دليل على حرص النظام على الحد من الانجرار الدينيّ والانجذاب السياسيّ لدى المسلمين الشيعة، والسيطرة عليه داخل المملكة. وأنّ أكثر ما يقلق الناشطين هو سياسة التجنيس التي يتّبعها الملك حمد، حيث إنّها تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافيّة والدينيّة والإثنيّة البحرينيّة بشكل مصطنع، من خلال الهجرة المنظّمة من أجل السيطرة على المعارضة. وفي العام 2006، كانت البحرين تجنّس عمدًا السنّة من باكستان، واليمن، والأردن، وسوريا لاستيعاب اختلال التوازن الطائفيّ الذي ضايق الأسرة الملكيّة في البحرين.

وأضاف الشهابي أنّ مجموعة الأزمات الدوليّة أكّدت أنّ السلطات البحرينيّة استخدمت إجراءات استثنائيّة لتسريع عمليّة التجنيس، وللتيقّن من أنّ هؤلاء المواطنين المجنّسين سينضمّون إلى الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة، وقد سبّب الوجود المكثف لأجانب في الجيش والشرطة غضبًا حادًّا لدى السكّان المحليّين الذين يعدّونهم «مرتزقة».

كما صدر في العام نفسه تقرير عرف في البحرين بـ»تقرير البندر«، نشره المستشار الحكوميّ السابق صلاح البندر، اتهم التقرير الحكومة بتنظيم مؤامرة تهدف إلى إقصاء الشيعة سياسيًّا، وإلى منهجة التمييز العنصريّ وإبادة طائفة بأكملها، وإثارة النعرات الطائفيّة، وتحجيم دور القوى المعارضة في المؤسّسة التشريعيّة، وإضعاف شوكتها في المجتمع المدنيّ والإعلام وإبعادها عن دوائر التأثير في مؤسّسات السلطة التنفيذيّة، والتغيير الديموغرافيّ للحصول على أكثريّة موالية للسلطة.

الأثر الاجتماعيّ للتجنيس السياسيّ

الكاتب في صحيفة أخبار الخليج المقرّبة من رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، محميد المحميد، كتب عن المشاكل التي يسبّبها الوافدون المجنّسون «في البحرين في كلّ مرّة نتابع ونقرأ ونشاهد حكايات عن حوادث اعتداء وعراك وهوشات بسبب وافدين عرب أو حديثي الجنسيّة من دول الشام أو جنوب شبه الجزيرة العربيّة، وتكون تفاصيل تلك الحوادث مروعة وغير مألوفة على الشارع البحرينيّ، لدرجة أنّ البعض يلوم الدولة على تجنيس مثل هذه الفئات، ويصبّ جام غضبه عليها، ناهيك عن موضوع الإسكان والخدمات العامة وغيرها».

وأضاف «إنّ الأمر الذي يجب أن نتوقّف عنده وأن نتدارس ظاهرته، هو زيادة حالة الاستياء من أهل البحرين المخلصين من فئات عربيّة تمّ منحها شرف الجنسيّة، وتمارس أفعالاً وتجاوزات واستفزازات وحالات عنف، بات من اللازم دراستها وفرض القانون الحازم معها ولو بسحب الجنسية وفق القانون، كي لا تتفشى الظاهرة في المستقبل وتهدّد المجتمع أكثر».

وشهد شاهد من أهل بيت الحكم، بأنّ المشروع الكارثيّ بالتجنيس السياسيّ تسبّب في تشطير المجتمع، وخلق حالة من عدم الاستقرار فيه، والأسوأ أنّه ولّد حالة هجينة مطواعة ومدجّنة، لطائفة ثالثة من المواطنين، في ظلّ تآكل حقوق المواطن وقضمها ونهشها، وهو الذي يعاني أنواعًا من الإذلال في مواطنيّته.

الأثر الأمنيّ للتجنيس السياسيّ

تحوّل التجنيس السياسيّ في البحرين من كونه مشروعًا إلى واقع سياسيّ أسس لتهديد السلم الأهليّ وزعزعة الاستقرار في البلاد، حيث تعمد السلطات البحرينيّة إلى توقيع اتفاقيّات أمنيّة مع بعض الدول المجاورة لها؛ لاستيفاد مجموعات من مواطنيها مقابل تجنيسهم، ودمجهم في أجهزة الأمن والوظائف السياديّة، وهو ما يضمن من هؤلاء الموظفين الولاء المطلق للنظام، وتنفيذ الأوامر بالتعذيب والإرهاب مقابل امتيازات ماليّة ضخمة، وتمتّعهم بالمواطنة الكاملة.

في إحدى الندوات حول التجنيس السياسيّ في البحرين والأثر الأمنيّ في البلاد، ذكر أمين عام جمعيّة الوفاق الشيخ علي سلمان «أنّ منطقة عسكر كانت من المناطق الآمنة التي ينعم أهلها بالأمن، ولم تكن بحاجة إلى توفير قوّات الأمن لها، حيث إنّ أهلها الطيّبين المشتغلين في البحر غالبيّتهم عاشوا وترعرعوا على قيم إسلاميّة أصيلة، متحابين في ما بينهم إلى أن وقعت جريمة التجنيس السياسيّ وسُكّن المجنّسون في هذه المنطقة، فانقلبت من منطقة آمنة إلى منطقة معدومة الأمن بسبب هؤلاء المجنّسين فأصبح أبناء هذه المنطقة الأصليون لا يأمنون على أموالهم وأعراضهم بسبب هؤلاء المجنسين حتى أصبحت هذه المنطقة لا تستطيع أن تخرج فيها امرأة بعد الساعة السابعة بسبب تسكع هؤلاء المجنسين في الشوارع».

لذا، فإنّ الواقع يقول بأنّ من استقدم عمدًا إلى البحرين، ومنح الجنسيّة لأداء أدوار تتنافى مع القانون والأخلاقيّات، لن يتحول إلى مواطن صالح يدافع عن متطلّبات المواطنة الحقّة، والدلائل واضحة في الممارسات التي قام بها هؤلاء المجنّسون بحقّ أبناء الشعب في غياهب المعتقلات وغرف التحقيق، وكيف كانوا يمعنون في التعذيب والانتهاكات أثناء مداهمة بيوت المواطنين وقمع المسيرات السلميّة.

الأثر الاقتصاديّ للتجنيس السياسيّ

الفريق المتابع لملف التجنيس بجمعيّة الوفاق أكّد أنّ كلفة التجنيس السياسي الكارثيّ في البحرين تزيد على 20% من ميزانيّة البحرين وأنّ إلغاء هذا المشروع غير الوطنيّ ومعالجة كلّ تداعياته يشكّلان حلًّا أوليًّا لتجاوز الفشل الاقتصاديّ وأزماته، وإبعاد البحرين عن شبح الإفلاس والتدهور المعيشيّ الذي تنذر به سياسات السلطة.

فتكلفة التجنيس وتبعاته الماليّة الاقتصاديّة والمعيشيّة التي تقدّر بمئات الملايين سنويًّا، يمكن أن تتحوّل لصالح الوطن وأهله بدلًا من زيادة الأعباء والضغوط والتهديدات له ولمعيشته، وأخطار الأوضاع الاقتصاديّة التي تمرّ بها البحرين والمنطقة؛ جرّاء غياب الرؤية السليمة لدى الحكومة وانعدام الشفافية، هي أخطار تتضاعف بوجود التجنيس السياسيّ الذي يأكل خيرات البحرين، ويزيد من تعقيدات واقعها الاقتصاديّ والأمنيّ والاجتماعيّ.

وأشارت تقارير عديدة إلى أنّ أهمّ الآثار التي ترتّبت على عمليّات التجنيس السياسيّ، هي انتشار البطالة بين صفوف أبناء المجتمع، وإقصاء أبناء البحرين الأصليّين ولا سيّما الشيعة منهم بالتحديد من التوظيف الحكوميّ، وخاصة سلكي الجيش والشرطة، إضافة إلى التأثير الواضح في الخدمات وإضعافها بشكل خطر، وخاصة في قطاعات الصحة والإسكان والتعليم.

وأدّت عمليّات التجنيس التي تكلّف ميزانيّة الدولة أموالًا طائلة، إلى انخفاض في دخل الفرد البحرينيّ بسبب الضغط الهائل، واستقدام الأعداد المتزايدة من الغرباء المجنّسين وإعطائهم كلّ الحوافز والامتيازات لقاء ولائهم للنظام.

الانتخابات والتجنيس السياسيّ

حاول النظام البحرينيّ من خلال عمليّات التجنيس المتزايدة والعشوائيّة أن يجلب شعبًا بديلًا مواليًا له بديلًا عن الشعب الأصيل، وعمل على تغيير التركيبة الديموغرافيّة للسكّان، وزيادة عدد المقترعين لصالح لوائحه والتأثير في نتائج الانتخابات، وإعطاء صورة أنّ نسبة الاقتراع تتزايد وأنّ الانتخابات في البحرين ديمقراطيّة وتشهد نسب إقبال واسعة، لإيهام العالم أنّ الأكثريّة في البحرين هي معه، وتقف إلى جانبه وأن الأصوات المقاطعة للانتخابات والمعارضة له ليست سوى أقليّة لا يعتدّ بها.

الكاتب في صحيفة «الرأي اليوم» خالد الجيوسي كتب أنّ النظام البحرينيّ حاول جاهدًا إظهار نزاهة انتخاباته والإقبال الكثيف على صناديقه، وبرّر قلّة أعداد الناخبين في بعض الدوائر بعدم شعورهم بالأمان خوفًا من هجمات محتملة مفتعلة، وانتقالهم لغيرها الآمن، في المقابل أظهرت بعض الفيديوهات والصور المتداولة مشاركة المقيمين من حاملي الجنسيّة الهنديّة والباكستانيّة في الاقتراع البحرينيّ، الذي يذكّرنا بأقاويل تؤكّد تعمّد النظام البحرينيّ منح جنسيّته للمقيمين الأجانب من باب زيادة الكثافة السكانيّة المؤيدة له أو المستفيدة منه، فتلتف حوله وتدعم ركائز حكمه ووجوده، ما دفع ببعض المعارضين إلى السخرية وتوجيه شكرهم ومباركتهم إلى الدول المشاركة باقتراع انتخابات بلادهم. وأضاف أنّه كان على الحكومة البحرينيّة حتى وإن خالفت نيّاتها أن تكون أكثر وعيًا وصراحة وشفافية، فيما يتعلّق بمسير الانتخابات وضعف الإقبال عليها، فذلك الواقع الضعيف يكسبها مصداقيّة أكثر من إنكاره والعمل على تلميعه وإثرائه بالمبالغات العدديّة المشهديّة التصويريّة الهزيلة.

ومن خلال هذه المعطيات، يتبين أنّ مشروع التجنيس قائم على هزّ المجتمع السياسيّ البحرينيّ وتفكيكه على المدى المستقبليّ، وأنّه ينبني على استقدام كتل بشريّة تحمي احتكاريّة السلطة وتشتّت اتجاهات الفعل الشعبيّ المعارض.

مشاهد المجنّسين المتوافدين إلى صناديق الاقتراع استفزّت كلّ المتابعين في البحرين وخارجها، ووصف النائب السابق في البرلمان اللبنانيّ ناصر قنديل عمليّات التجنيس بأنّها «أسرلة» تشبيهًا بما ارتكبه العدوّ الإسرائيليّ من استقدام اليهود إلى فلسطين المحتلّة، ليحلّوا محلّ سكّانها الأصليّين، ورأى أنّ السلطات البحرينيّة تكرّر تطبيق النموذج البريطانيّ الذي طبّق في دولة جنوب أفريقيا ذات الغالبيّة السمراء، وذلك باستجلاب البيض إلى هذا البلد ليصبحوا الأكثريّة، من أجل صناديق الاقتراع، وأنّ ما يجري في البحرين هو استعمار استيطانيّ وفق معايير الأمم المتحدة.

البحرين شهدت خمس انتخابات تشريعيّة ( 2002، 2006، 2010، تكميليّة 2011، وأخيرًا 2014)، كان في جلّها وجود لأعداد من المجنّسين، ولكن في انتخابات 2014 كان الأمر واضحًا جدًّا، بل لعبت الحكومة على المكشوف بورقة المجنّسين حديثًا ودون مواربة، ودافعت وبقوّة عن حقّ كلّ مجنّس حتى لو كان حديثًا في المشاركة بالانتخابات ووفقًا للقانون كما تقول.

التجنيس السياسيّ وإسقاط الجنسيّة

بموازاة عملها الحثيث على سياسة التجنيس السياسيّ بهدف التغيير الديموغرافيّ وتبديل الأكثريّة الشعبيّة بأقليّة، ولتغيير الواقع السياسيّ في البلاد، عمدت السلطات البحرينيّة إلى اعتماد سياسة لا تقلّ خطرًا عن التجنيس، وهي إسقاط الجنسيّة عن المعارضين والنشطاء، وحتى عن بعض رجال السياسة والنوّاب السابقين، في خطوة تعدّ شديدة الخطورة وتسهم بشكل أكبر في عمليّة تبديل الشعب من معارض إلى موال، وهذا ما عدّته كلّ المواثيق والعهود الدوليّة عملًا يمسّ بالحريّة الشخصيّة للفرد.

فإسقاط الجنسيّة عن المواطنين يعدّ خرقًا واضحًا لقواعد القانون الدوليّ، وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسيّة. وتنصّ المادة الثانية من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان على أنّ لكلّ فرد حقّ التمتّع بالحقوق كافة والحريّات الواردة في هذا الإعلان، من دون أيّ تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسيّ وغير السياسيّ، أو الأصل الوطنيّ أو الاجتماعيّ أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر، ولا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسيّ أو القانونيّ أو الدوليّ للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص.

وتقول المادة 15 من الإعلان أنّ لكلّ فرد حقّ التمتّع بجنسيّة ما، ولا يجوز حرمان شخص جنسيّته تعسّفًا أو إنكار حقّه في تغييرها.

وعلى الرغم من هذا، فقد استخدم النظام البحرينيّ إسقاط الجنسيّة لمعاقبة المعارضين ومنهم علماء الدين الشيعة، لوقوفهم مع المطالب الإصلاحيّة التي طالب بها المواطنون في حراكهم الشعبيّ الذي انطلق في فبراير/ شباط 2011، ووصلت أعداد المسقطة جنسيّاتهم منذ هذا الوقت إلى المئات، لتشمل أيضًا ومن دون أيّ رادع الرمز الشيعيّ الأبرز آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم.

التجنيس .. والإبادة الجماعيّة

يعني مصطلح «الجينوسايد»، القتل الجماعيّ أو الإبادة الجماعيّة لشعب أو أقليّة أو طائفة ما، وقلعها من جذورها من مختلف النواحي، كما أنّها تعني القتل والتطهير العرقيّ والفناء الجماعيّ. وهو أيضًا التدمير المتعمّد للجماعات القوميّة أو العرقيّة أو الدينيّة أو الإثنيّة. وارتكاب هذه الأفعال يقع من خلال صور متعدّدة سواء أكانت الجريمة بصورة مباشرة أم عبر التحريض عليها أم بالتآمر على ارتكابها، وسواء أكان ذلك أثناء الحرب أم السلم. وقد نصّت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعيّة الصادرة عام 1946 على أنّ الإبادة تتحقّق بحدوث هذه الأفعال:

– قتل أعضاء من الجماعة.

– إلحاق أذى جسديّ أو روحيّ خطير بأعضاء من الجماعة.

– إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشيّة يراد بها تدميرها الماديّ كليًّا أو جزئيًّا.

– فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.

– نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.

وإذا أردنا أن نغوص قليلًا في بنود هذه الاتفاقيّة، ولمقارنتها مع الواقع الحاصل في البحرين، فسنجد أنّ النظام البحرينيّ، وعبر سنوات طويلة، وبالتحديد منذ انطلاق الحراك الثوريّ عام 2011، عمد إلى قتل الكثير من المواطنين المعارضين الذين عبّروا عن مواقفهم الرافضة سياسته، ولجأ إلى إلحاق الأذى الجسديّ والمعنويّ الخطير بالآلاف من المواطنين، ومارس سياسة القمع والاضطهاد بحقّ الغالبيّة العظمى من الشعب البحرينيّ، وفي هذا تجسيد واضح لبنود الاتفاقيّة التي تشرح معيار الإبادة الجماعيّة وتحدّده.

وكذلك استخدم النظام البحرينيّ كلّ الوسائل الاستبداديّة من أجل إخضاع الشعب، مضيّقًا عليه في كلّ المجالات سواء الأمنيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة وحتى السياسيّة، ومن خلال فرض القيود الخانقة وطرد الموظفين من أعمالهم وحرمانهم الوظائف الأساسيّة في الدولة، ولا سيّما في الجيش والشرطة، وكذلك سياسة الاعتقال والتعذيب الوحشيّ والمداهمات الدائمة، ما أخضع البحرينيّين لظروف معيشيّة متعمدة، الهدف منها التدمير عبر الزمن وعدم السماح لهم بالتطوّر أو النمو أو حتى العيش في ظروف طبيعيّة تؤمن لهم استمراريّة البقاء.

وكان السلاح الاقتصاديّ من الأساليب الأساسيّة التي اتبعها النظام البحرينيّ في التضييق على الشعب وخنقه، مانحًا كلّ الامتيازات للموالين له مع حرمان الأغلبيّة أيًّا منها. وفي الحالة الطبيعيّة، يكون التضييق الاقتصاديّ على شعب ما، بحد ذاته وسيلة من أجل تشجيع الأسر على عدم الإنجاب تحت ضغط الوضع الاقتصاديّ السيّئ، وبالتأكيد لا يمكن تبرئة النظام البحرينيّ من مثل هذه الأعمال، نظرًا إلى التاريخ الأسود له في مختلف مجالات انتهاك حقوق الإنسان.

وكان المساعد السياسيّ لأمين عام جمعية الوفاق خليل المرزوق قد قال إنّه في الأعراف الدوليّة، عندما يكون التجنيس بهذه الوتيرة، فإنّ الحديث يدور عن إبادة جماعيّة للسكّان الأصليّين، ولا نقول بأنّ السكّان الأصليّين فقط شيعة، إنّما شيعة وسنّة. ومخطئ من يعتقد، بعنوان طائفيّ، بأنّ التجنيس يفيد طائفته فهو يحول البحرين من دولة مواطنة إلى دولة طائفيّة، ومن يعتقد بأن التجنيس يضيف له في الحسابات السياسيّة فهو واهم ومخطئ؛ لأنّ الحسابات السياسيّة تقول إنّ التحوّلات السياسيّة والإقليميّة تقول بأن هؤلاء سينافسون البحرينيّين، وسيكون لهذا تداعيات بصورة أكبر في المستقبل، إذًا لا العمليّة السياسيّة ستكون مفيدة ولا عمليّة التجنيس نفسها.


رابط المختصر : manamapost.com/?p=2017090655


المواضیع ذات الصلة


  • انتخابات البحرين: «المُرشح علي الحايكي جبانٌ من نوعٍ آخر»
  • انتخابات البحرين: «المرشّح العماني رؤيته السياسيّة الواعية التملّق.. وموقفه البرلمانيّ الشجاع توقّف عندنا»
  • انتخابات البحرين: «المُرشّح ياسر نصيف الموالي.. تغييرك يبدأ من معرفة منامة بوست»
  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *