منامة بوست (خاص): لن تنسى البحرين، بل العالم بأجمعه يوم الثالث من مارس 2014، إذ وقع انفجار في منطقة الديه غرب العاصمة المنامة، أدّى إلى مقتل 3 عناصر من الشرطة بينهم ضابط إماراتي، وفي بلد تميّز بسلميّته اللامتناهية كان من البديهيّ أن يحتل هذا الحدث الصفحات الأولى من وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انهالت ردود الأفعال منقسمة ما بين مؤيّد له ومعترض عليه، انطلاقاً من خلفيات وتوجهات لكلّ طرف.
ففي داخل البحرين أدانت السلطة وأزلامها وبشدّة هذا التفجير، بينما انقسمت المعارضة: ففي حين أدانه الجمعيات السياسية والمجلس العلمائي وبعض الناشطين على التويتر، رحبت به بعض التجمعات الثوريّة باعتباره دفاعاً عن النفس امام محتل معتدٍ، سيّما أنّ من بين القتلى ضابطاً إماراتيّاً، ما يدلل على وجود عناصر أمن خليجيّة تعمل على قمع الشعب، فضلاً عن المرتزقة من الباكستان والهند وغيرهما.
أما في الخارج فقد كثرت الإدانات وكان أبرزها من الأمم المتحدة وواشنطن ولندن، حيث سارعت إلى الدعوة إجراء حوار حقيقي يخرج البحرين من أزمتها.
هذا وقد أعلن تنظيم سرّي، ومجهول الأعضاء يعرّف عن نفسه باسم سرايا الأشتر، مسؤوليّته عن الحادث في بيان أصدره على مواقع التواصل الاجتماعيّ جاء فيه أنّ مقاومة المحتلّين والغزاة لن تتوقف.
في ظلّ هذا الضجيج كلّه وانقسام الآراء بين مؤيد ومعارض، وتضارب حول شرعيّة ما جرى، تبقى مشكلة جوهريّة وهي أنّه لا توجد معالجة رصينة للموضوع، فالمعالجات السياسيّة لا تقرأ جذور الظواهر الاجتماعيّة، بل تكتفي بالقراءة السياسيّة التي تتداخلها الأهواء والتحيّزات عادة.
فالعنف حالة موجودة عند الإنسان، كأيّ غريزة أخرى، وبحسب دراسة بعنوان “العنف السياسي في العالم العربي…دواعيه وتداعياته”، للكاتب محمد نبيل الشيمي، فإنّ العنف:
1. ظاهرة مركبة متعددة التغيرات، ولا يمكن تفسيرها بمتغيّر أو عامل واحد فقط فالمؤكد أنّ هناك مجموعة من العوامل تتفاعل بل تتداخل وتترابط وتؤثر بعضها على بعض سلباً أو إيجاباً فيما بينها لتفجّر أعمال العنف.
2. كما إنه يجب التمييز بين الأسباب المباشرة والموقفية التي تفجر أعمال العنف وتلك العوامل غير المباشرة أو الكامنة التي تقف خلفها؛ فالأولى تعتبر بمثابة المناسبات والشرارات ولكنّها ليست الأسباب والعوامل البنائية الكامنة التي تولد الظاهرة فقيام حكومة ما برفع أسعار بعض السلع مثلاً يسبب عنفاً جماهيريّاً فإنّه لا يعد السبب الرئيسي للعنف حيث يرتبط غالباً بوجود أزمة تنموية تتمثل بعض أبعادها الاقتصادية في موجات التضخم والبطالة والعجز في ميزان المدفوعات والديون.
3. إنه على الرغم من تعدّد وتداخل العوامل التي تؤدي إلى حدوث ظاهرة العنف إلا أنّ التأثير النسبيّ لهذه العوامل ليس واحداً بل يختلف من دولة إلى أخرى طبقاً للاختلافات والتمايزات المرتبطة بالتركيب الاجتماعي والثقافي والبناء السياسي والظروف الاقتصادية.
وعليه فإنّ دراسة العنف (أو الحركات ذات الطابع العنفي) تحتاج لقراءة في الجذور والأسباب، من ثم البنية الفكريّة لمستخدمي العنف مروراً بالتداعيات السياسيّة والاقتصادية والأخلاقيّة، والأهم في ذلك: التداعيات الفكريّة.
إن ثنائية التأييد أو الاعتراض على حدث ما، طبيعيّ في العمل السياسيّ، لكنّه موقف قد يعبر عن استراتيجيّة هذا الطرف أو ذاك، لكنه في الغالب لا يعبر عن رؤية عميقة للمخبوء وراء الأحداث.
فالدول الكبيرة وأجهزة الاستخبارات، بل وحتى الأحزاب ذات الثقل العالميّ، تعتمد الدراسات الرصينة متكأً لبناء رؤيتها للأمور، فمثل هذه الدراسات تعتبر تنضيجاً للوعي، وتعميقاً للأفكار، وبلورة للأسباب والتداعيات بشكل واضح جدا، خصوصا فيما يتعلق بالأمور الخطرة ذات الصبغة الانعطافيّة.
فمن دون تعميق الرؤى لن يتزحزح المجتمع عن مكمن ردات الفعل، ولن تشتد أغصانه بشكل قويّ حتى لا تحركه الرياح، ذلك لأنّ الجذور ستغدو هشة، والأوراق ستبدو ذابلة، وما بين الجذور والأوراق، يقف المزارع المسؤول موقفاً مركزياً في سقي الجذور بالوعي، وتغذيتها بثقافة الأفكار العميقة.