Thursday 28,Nov,2024 00:47

صحيفة بحرينية مستقلة

صحيفة بحرينية مستقلة

«حسين محمد خاتم»… آخر ثارات «قضية كرزكان».. وداعاً أمي

منامة بوست (خاص): «قضية كرزكان»؛ إحدى أشهر القضايا التي صاغتها السلطات الأمنيّة بدراماتيكيّتها وسماجتها المعهودة، ضجّ منها المجانين قبل العقلاء، هي نتاج للعقليّة الأمنيّة البدويّة

أبي الوطن.. أمي الوطن..
رائدنا حب الوطن.. نموت كي يحيا الوطن..
يا سيدي انفلقت حتى لم يعد للفلق في رأسي وطن..
ولم يعد لدى الوطن من وطن يؤويه في هذا الوطن..
أي وطن؟.. الوطن المنفي.. أم الوطن؟!

أحمد مطر

منامة بوست (خاص): «قضية كرزكان»؛ إحدى أشهر القضايا التي صاغتها السلطات الأمنيّة بدراماتيكيّتها وسماجتها المعهودة، ضجّ منها المجانين قبل العقلاء،هي نتاج للعقليّة الأمنيّة البدويّة التي طالما أثبتت فشلها بالاستعانة بالمخرجين والمؤلفين المحترفين لتثبيت جرائم تلصقها بأبناء هذا الشعب الأصيل، من خلال ممارسة التعذيب وإكراه المتهمين على اعترافات باطلة تنتزع بقبضة الحديد والنار، على يد عصاباتٍ أعرابيّة وأجنبيّة، خلعت عنها ثوب الإنسانيّة وارتدت ثوب الحقارة الشيطانيّة، لتصبّ جام غضبها وحقدها على شعبٍ أعزل خلف القضبان في تصرّف جبان ولاإنسانيّ، لتخرج السلطة بانتصارٍ زائف تبرمجه في أدمغة الحمقى والأغبياء من مواليها، والعابدين لها دون بصيرة.

نعود بالذاكرة قليلاً إلى ما حدث في 9 أبريل/ نيسان 2008، وما أعقب هذا التاريخ من أحداث ومجريات في «قضيّة كرزكان»، والتي اعتقل فيها 19 مواطناً بتهمة قتل الشرطيّ «الباكستانيّ ماجد أصغر»، والذي ادّعت وزارة الداخليّة البحرينيّة أنّه مات حرقاً، لكنّ الطبيب الشرعيّ السابق في النيابة العامّة البحرينيّة، ورئيس الأطبّاء الشرعيّين، الدكتور فخري صالح قال إنّ سبب الوفاة هو ارتطام رأس الشرطي أصغر بحافة رصيف الشارع، وذلك أثناء قفزه من سيارة الشرطة المشتعلة بالنيران، وإصابته بنزيف داخليّ في طبقات الأنسجة التي تغلّف المخ، ما أدّى إلى وفاته على الفور، وذلك حسب شهادة الوفاة الرسميّة التي أدلى الطبيب بها في المحكمة، وكانت سبباً في براءة المتّهمين الـ19 بعد قضاء 18 شهراً في الاحتجاز، لكنّ النيابة العامّة انقلبت عليها في 28 مارس/ آذار 2010 وعلى حكم البراءة، لتستأنف الحكم ضدّ المفرج عنهم، وتقوم محكمة الاستئناف بإلغاء حكم البراءة والقضاء عليهم بالسجن 3 سنوات.

حسين خاتم.. الطريدة الأخيرة

hussainأربع سنوات مضت على صدور حكم الاستئناف، ولم يبق من التسعة عشر متّهماً غير «حسين محمد خاتم – 35 عاماً»، ظلّ خلالها هارباً من أعين السلطة حتى تمكنّت كلابهم البوليسيّة المخابراتيّة، بعد رصد تحرّكه إلى لحظة دخوله أحد دكاكين الحلاقة بمنطقة كرزكان، من مفاجئته بميليشيات مدنيّة مقنّعة، لينتهي بهذا آخر فصل من قضيّة مقتل «الشرطي ماجد أصغر» أو «قضيّة كرزكّان»، بعد مطاردةٍ استمرت أربع سنين منذ صدور حكم الاستئناف في مارس/ آذار 2010، ولم يكن قد بقي غيره لقضاء محكوميّته بعد حكم محكمة الاستئناف بالرغم من مكوثه 18 شهراً وبراءته مع رفاقه في القضيّة.

ويروي إخوة حسين لـ«منامة بوست» جانباً من معاناته بعد صدور الحكم الذي أجبره على الاختفاء منذ ذلك الحين، ويقول أخوه «عبّاس»: «عند صدور الحكم جاء حسين لتخيير والديْنا بين الاختباء أو تسليم نفسه، لكنّ الوالدة رفضت أن يُسلّم نفسه، بالرغم من معرفة العائلة ويقينها من تبعات هذا القرار، فهو يعني استباحة المرتزقة للمنزل بمن فيه وما فيه، والمداهمات المفاجئة وغير القانونيّة حتى في ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل»، ومع ما يتطلّب هذا من صبر أبت والدة حسين إلا أن تختاره.

وكما توقعت العائلة المنكوبة حدث، فالمداهمات كانت يوميّة، نسورٌ بالنهار وذئابٌ بالليل، تخريبٌ وتكسير، هجومٌ مباغت وسؤال واحد: «أين حسين»..؟ ترويع النساء والأطفال وتهديدات مستمرة وإهانة كبار السن، مشاهد أصبحت روتينيّة لدى عائلة حسين خاتم، فضلاً عما يعانيه هو من التشرّد وما يحيط مصيره من غموض، معاناة مشتركة لايمكن محوها من ذاكرة لا تعرف النسيان.

خلف جدران الحرية القصيرة

تمّ اعتقال «حسين» إبّان انتفاضة تسعينيّات القرن الماضي، وتعرّض للتعذيب الوحشيّ على يد عناصر أمن الدولة وجلّاديها بقيادة الضابط البريطانيّ الاسكتلنديّ المقبور «إيان هندرسون»، وتلميذه النجيب «عادل فليفل» الذي ما زال حرّاً طليقاً بالرغم من تورطّه بمئات الجرائم ضدّ الإنسانيّة منذ الثمانينيّات إن لم تكن بالآلاف، وحصيلة هذا الاعتقال لخاتم كانت أمراضاً مزمنة والتهاباتٍ مستمرة في الأذن، وإصاباتٍ في المعصمين وفسخٍ في اليد، بالإضافة إلى آلام مستمرة في الركبتين جرّاء التعذيب الوحشيّ الذي تعرّض له في المعتقل، وقد تجدّدت هذه المعاناة وتدهورت حالته الصحيّة أكثر من السابق بعد اعتقاله في قضيّة الشرطيّ أصغر.

بعد حكم البراءة بدأ حسين يشّق مشواره في الحياة من جديد أملاً في محو آثار بصمات التعذيب من ذاكرته، ظنّاً منه أنّه قد وصل إلى محطته الأخيرة ليحلّق بحريّة كما كان يحلم بين جدران المعتقل. قام بشراء باص 16 راكب للعمل عليه في توصيل الطلبة والموظفين بفضل مساعدة أشقاّئه والاقتراض من أهل الخير، بالإضافة إلى قيامه باستيراد السيارات المستعملة من الإمارات وبيعها بربحٍ يساعده على الاستمرار في هذه المهنة، لكنّ حكم الاستئناف في مارس/ آذار 2010 حطّم حلمه الورديّ وقطعه قبل أن يبدأ، فهاجر إلى عالم المجهول دون اتصالٍ مع عائلته أو أصدقائه، حتى ظنّت العائلة أنّه وقع في شراك المخابرات مجدداً، وبدأ معاناةٍ جديدة. وبذلك، أصبح الدائن مديناً، بريئاً مطارداً، محاصراً بالديون ومهدداً بالاعتقال.

إشراقة في فبراير وأفولٌ في مارس

عندما انطلقت ثورة 14 فبراير وكان الاعتصام المركزيّ بدوار اللؤلؤة، رفع المعتصمون مطالبهم للسلطة، وكان أبرزها الإفراج عن المعتقلين السياسيّين وقادة المعارضة الوطنيّة، وبالفعل تمّت عمليّة الإفراج في الـ23 فبراير/ شباط 2011. ويقول عباس شقيق حسين: لقد استبشرنا خيراً بهذا الإفراج، وصار لدينا بصيصٌ من الأمل في العفو عن حسين، وانتهاء معاناة الوالدة التي آلمها فراقه طوال هذه المدّة، دون أن تراه أو أن تعرف مصيره ومكانه.

بدأنا نلتقيه علناً وصار يأتي للمنزل بكلّ اطمئنان، كان الأمل يحدو بنا نحو انتهاء معاناة العائلة، وأبناء كلّ الوطن من ويلات الملاحقات الأمنيّة، وانتهاء الخوف في «مملكة الرعب». بيد أنّ قمع ثورة فبراير وتفريق المعتصمين في دوار اللؤلؤة وفرض قانون الطوارئ منتصف مارس/ آذار 2011 بدّد أحلامنا وأحلام كلّ البحرينيين، عندها أدرك حسين أنّه لا مفر أمامه سوى الاختباء مرة أخرى ليبدأ بمرحلةٍ جديدة من المعاناة كضريبة دفعها آلاف البحرينيّين لنيل الحريّة والديموقراطيّة في طريق نضالهم ضدّ الدكتاتوريّة القبليّة.

مارس مرة أخرى.. وداعاً أمي دون توديع

insideأربع سنوات وحسين بعيد عن والدته التي أضناها فراقه الطويل، ومع اقتراب «عيد الأم»، قرّر إخوته أن يخففوا عنها، وإزاحة ما يمكن إزاحته من معاناتها والاحتفال معها بهذه المناسبة على أن تكون هديّتها حضور «حسين»، علّ ذلك يُهدّئ قليلاً من روعها وقلقها على مصيره المجهول وغيابه منذ 16 مارس/ آذار 2011 حتى اليوم.

هدايا رمزيّة من الأبناء أحاطت بالوالدة ولم يتبقَ إلا الجائزة الكبرى.. «حضور حسين» الذي يرتقبه الإخوة حسب الاتفاق.. ولكن سارت الرياح بما لا تشتهي السفن، ووقع ما لم يكن في الحسبان، ولعب الغدْرُ بالقدَر، وحيل دون لقاء الأحبة وصار اللقاء فراقاً، فعيون المخابرات التي كانت ترصد كلّ شاردة وواردة، كانت لحسين بالمرصاد، فما إن دخل دكان الحلاقة حتى انقضّ عليه ثلاثة عناصر ملثّمين بأسلحتهم واقتادوه إلى جهة مجهولة دون أن يلتقي أمّه أو حتى يودّعها، وهي التي كانت تترقب دخوله في أيّ لحظة طيلة فترة اختفائه.

جاء خبر اعتقاله، فنزل كالصاعقة على إخوته ووالدته، التي لم تتمالك نفسها من البكاء والانهيار، وكأنّها تقول ليتني لم أكن أماً ولا عيد لي.. هتفت بين أبنائها.. «ولدي.. حبيبي.. حسين وينك..! وينك يا مدلل أمك..! ليش ما جيت يا ولدي..؟! ليش تروح عني.. »؟!،

لم تحظَ والدة «حسين خاتم» بلحظة لقاءٍ يخفف معاناتها وآلام فراقها، ولم تحظَ بفرصة توديع ابنها قبل اعتقاله، كما في المرات السابقة التي يختفي عن ناظريها للغوص في لُجّة التشرّد، وما من سلوى لها سوى انتظار الأمل بخوف وقلق.

وصل «حسين خاتم» إلى مبنى التحقيقات الجنائيّة ومنه إلى سجن الحوض الجاف، وسمح له بالاتّصال بأخيه «عباس» ليخبره أنّه نال وجباته الترحيبيّة من التعذيب على يد إخوان وزير الداخليّة، الذين هددوه بتلفيق تهمٍ جديدة كالتفجيرات ومحاولة قتل أفراد من الشرطة، وغيرها من التهم التي لا تخلصه من السجن، بالإضافة إلى القضية الأساسية الوهميّة، وهي «مقتل الشرطيّ ماجد أصغر»، وهذه ليست سوى بداية جديدة لـ«حسين خاتم» مع شهر مارس، وثأرٌ للسلطة منه ومن هذا الشعب في طريق الثورة، لم ينتهِ بعد.


رابط المختصر : manamapost.com/?p=2014024935


المواضیع ذات الصلة


  • انتخابات البحرين: «المُرشح علي الحايكي جبانٌ من نوعٍ آخر»
  • انتخابات البحرين: «المرشّح العماني رؤيته السياسيّة الواعية التملّق.. وموقفه البرلمانيّ الشجاع توقّف عندنا»
  • انتخابات البحرين: «المُرشّح ياسر نصيف الموالي.. تغييرك يبدأ من معرفة منامة بوست»
  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *