منامة بوست (خاص – بريطانيا)
يطلّ علينا الدكتور صلاح البندر بحوار يحمل في مطاويه الكثير من المعلومات المثيرة، فالرجل بدأ ظهوره عام 2006 بتقرير مثير للجدل، وصار آيقونة للمعلومات المسكوت عنها أو «المبهمة»، مثيراً جدلاً واسعاً، ومواقف متضاربة، إن في الداخل البحرينيّ حيث تعاطف معه الكثير من الناس في مقابل الكثير ممن سخط عليه، وفي الخارج حيث دعا متابعون ومحلّلون للاستماع له بحياديّة.
الرجل منذ العام الذي ظهر فيه تقريره للنور، أبعد عن البحرين، ورجع لمدينة كيمبردج ببريطانيا، حيث سكنه وتنشئته الأكاديميّة.
صحيفة «منامة بوست»، أجرت معه حواراً عن طبيعة مهمّته ودوره، وسألته عن طريقة تقسيم الحكم، ولماذا يسمّى الخوالد بأبناء بنات السويديّ؟ وما هي صلاحيّاتهم الفعليّة؟ وما هو مصير البلد في ظلّ تطوّرات أمنيّة لافتة، كالتفجيرات التي تبنّتها جهات شعبيّة؟، تقرؤون في المقابلة عدداً من المحاور، كما جاء على لسان البندر:
· من مهمّاتي في البحرين وضع استراتيجيّة إعادة تغيير الصورة الذهنيّة (re-branding) للبحرين، من كونها مجرّد بانكوك الخليج، باعتبارها ماخور للترويح السياحي إلى مركز ماليّ.
· أقول لك تنفيذ المخطّط لم يتوقف، ولكن غيّر من أولويّاته ليتجاوز ما فعله التقرير من كشف خططه، والشخصيّات التنفيذيّة المسؤولة عنه بالاسم والموقع ومصادر التمويل… تنفيذ التقرير أسرع في جوانب وتأخّر في جوانب… مثلاً مسألة «السويتش الطائفيّ» أيّ الاستمرار في تسنين الشيعة أي تحويلهم إلى سنّة، تأخّر بعد الكشف عنه.
· هنالك من يعمل على الانقلاب على الخوالد من داخل العائلة المالكة، أكثر من أيّ جهة إقليميّة أو معارضة.
· أنا لا أدعو للعنف في البحرين، إذ إنّ ممارسات الدولة، وقمعها، واستمرار ظلمها، واستبعادها الممنهج للشيعة من دائرة السلطة والثروة، مع تراكم السنين هي وصفة جاهزة للاشتعال، وبيئة حاضنة لهذا النوع من المقاومة.
· المصارف الإسلاميّة، والتي يسيطر عليها الإخوان المسلمون في البحرين، ودائعها تجاوزت 23 مليار دولار.
· الديوان الملكيّ مصاب بحالة اكتئاب، وصداع نصفيّ حادّ من تراجع مركز «ملف البحرين» في أروقة الحكم السعوديّ.
بوست: ما هو الدور الذي لعبه صلاح البندر كمستشار استراتيجيّ للحكومة في البحرين؟ يسأل الكثير عن ماهيّة وظيفتك، فهلّا فصّلت لنا عنها؟
البندر: مستشار التخطيط الاستراتيجيّ في الديوان الملكيّ وليس الحكومة «السلطة التنفيذيّة» هي وظيفتي منذ أكتوبر 2002. ويدخل في اختصاصي المساهمة في تحليل، ووضع، وتطوير السياسات العامّة للبحرين، ودراسة تأثير السياسات الجارية، ومشاريع القرارات والمقترحات. كانت تتعلق أيضاً بمراجعة آثار ما قبل تولّي الملك حمد للحكم، ووضع استراتيجيّة إعادة تغيير الصورة الذهنيّة «re-branding» للبحرين من كونها مجرّد بانكوك الخليج، باعتبارها ماخوراً للترويح السياحي، إلى مركز ماليّ بعد انطلاق المشروع الإصلاحيّ للشيخ حمد الثاني مذّاك… وقد كانت محاور مهمّتي دراسة مشروعات الاستثمار العملاقة في البحرين في إطار هذه المهّمة، والتي تطلّبت أيضاً المساهمة في ترتيب أولويات الإعلام في البحرين، والترويج للبحرين في الخارج. وانتدبت رسميّاً في أبريل 2006 كمستشار، بعد صدور قرار جلالة الملك بتأسيس وزارة تنسيقيّة «وزارة شؤون مجلس الوزراء» للمتابعة بين الوزارات والجهات الحكوميّة المختلفة بعد تعيين الشيخ أحمد بن شيخة السويديّ وزيراً لها. وعكفت وقتها على وضع دراسة الجدوى للوزارة وهيكلها ومحاور عملها. وهذا ما وضعني في جوار العرين الذي كان يدير «الخليّة السرّية» التي تمّ كشفها لاحقاً للعلن في منتصف سبتمبر 2006، بعد تمحيص وتوثيق.
بوست: التقرير الذي أطلقته عام 2006، والذي صار اسمك لصيقاً به، كان يحمل فصولاً وجدولة زمنيّة، الآن ونحن الآن في العام 2014، أين وصل التطبيق العمليّ لذلك التقرير؟
البندر: طرح التقرير «البحرين: الخيار الديمقراطيّ وآليّات الإقصاء» في أغسطس 2006 بواسطة مركز الخليج لتنمية الديمقراطيّة «مواطن»، ولا يحمل اسمي، ولكن كنت ضمن 14 شخصيّة شاركت في تجميع وثائقه وإعداده. وتحمّلت مسؤوليّة توزيعه للعلن حماية لشبكة المركز في البحرين وخارجها. وأؤكّد لك مرّة أخرى أنّ هؤلاء كلّهم من الطائفة السنيّة ولا يوجد شيعيّ واحد بينهم. وأنّ مركز «مواطن» هو مؤسّسة إقليميّة تهتمّ بدول مجلس التعاون الخليجيّ كلّها، والبحرين جزء من ذلك الاهتمام. وعن سؤالك أين وصل التطبيق العمليّ، أقول لك التنفيذ للمخطط لم يتوقّف، ولكن غيّر من أولويّاته ليتجاوز ما فعله التقرير من كشف خططه، والشخصيّات التنفيذيّة المسؤولة عنه بالاسم والموقع ومصادر التمويل… تنفيذ التقرير أسرع في جوانب وتأخّر في جوانب… مثلاً مسألة «السويتش الطائفيّ» أيّ الاستمرار في تسنين الشيعة أي تحويلهم إلى سنّة، تأخّر بعد الكشف عنه… أوّلاً لأنّ وسائله في الإغراء وما ارتبط بها من استغلال لحاجة الأسر الضعيفة من الشيعة، أو التي تعاني من مشاكل عدم الحصول على الجنسيّة «بدون» أصبحت مكشوفة، ولكنّه بالقطع استمرّ بحماس بالغ في مسألة التجنيس السياسيّ باعتبارها مصيريّة لبقاء النظام، والمشروع الآن أكمل الجزء الأكبر منه… وأضيف إليه بعد ذلك بصورة رسميّة في 2008 مخطط هيكلة البحرين 2030 الذي أصبح العمود الفقريّ لإعادة صياغة واقع البحرين. وشرع في تنفيذه منذ يونيو 2010؛ وتمّ تحديث خطّة تنفيذه في الأسبوع الأول من مايو 2013… لم تؤثر في تنفيذه انتفاضة فبراير، بل صار النظام يشعر بأنّ الإسراع في إكماله هو الضمانة الوحيدة لاستمرار حكم آل خليفة… وكما ذكرت في مقام آخر أنّ انتخابات 2018 ستكون نقطة التحوّل الواضحة… عندها النظام سيكون مستعداً لإعادة النظر في كلّ شئ، من توزيع الدوائر إلى مشاركة الشيعة في الحكم… وسيكون السيف قد سبق العدل.
بوست: تارةً تطرح معلومات وتارةً تطرح تحليلات، ما سبّب توجّساً وجدلاً في الشارع البحرينيّ حول طبيعة شخصك وهدفك، كيف تعقّب؟
البندر: شخصي فرد بسيط يعيش في حوزة متواضعة على أطراف مدينة كيمبردج، لا يملك أكثر من مؤهّلات معقولة وخبرة في العمل غنيّة، وتواصل مع مراكز النفوذ والتأثير حول العالم في إطار اهتماماتي كناشط في العمل العام… لست عضواً في تنظيم سرّي أو ضابطاً في جهاز للمخابرات، وأتواصل عبر العالم مع من يهمّه الشأن الخليجيّ بحرص بالغ، أطرح ما أعلم من معلومات، وبالتالي ذلك طرح نسبي يتوقّف على عوامل عديدة، منها مصادر المعلومة ودورها في تركيز الضوء على المسكوت عنه أو تكملة ملامح الصورة، وأطرح تحليلات تندرج تحت بند الاجتهاد في فهم خلفيّات الراهن مع تفاعلات الحاضر وانعكاساتها على توقّعات المستقبل. ولأنّها اجتهادات فلي ثواب المجتهد حتى وإن كانت خطأ… ولم أدّع في أيّ يوم أنّها فصل المقال…
بوست: هل لا زال التجنيس قائماً بنفس الوتيرة المسعورة التي تحدّثت عنها في 2006؟
البندر: نعم، فالنظام أكّد في أكثر من مرّة «قولوا ما تشاؤون ونفعل ما نشاء»، وهذا التجنيس السياسيّ أصبح واضحاً بصورة ملفتة للنظر في أماكن تواجد الغالبيّة السنيّة… وفي مراكز التسوّق والمدارس والمستشفيات … وبصورة مدهشة في مطار البحرين الدوليّ… وتزخر بها مضابط أقسام الشرطة..
هل تذكرون أحداث دوار 19 «مدينة حمد» وما حدث لعائلة الجيب المعروفة؟ واشتباكات بوكوارة «الرفاع الغربيّ» والمحرّق؟ وما حدث مؤخراً في جامعة البحرين من احتفاء بالمقبور صدّام مؤشر آخر!.. بل الأمر أصبح واضحاً في بروز دور مؤثر لأبناء هؤلاء المجنّسين في المشاركة في أيّ مناسبة، أو فعاليّة تهدف إلى تحشيد وتصعيد المواجهات أو إثارة النزعات الطائفيّة. ونظرة سريعة إلى فعاليّات تجمّع الوحدة الوطنيّة أو المنبر الإسلاميّ تغنيك عن الاستغراش «هذه كلمة من صنعي تعني الاستغراب والدهشة في الوقت نفسه»… هل فكّرت في الدور الذي يقوم به ابن المجنّس العراقيّ دكتور العاني في تجمّع الفاتح مثلا؟!…
مشكلة التجنيس السياسيّ أنّها كانت سياسة رسميّة منذ التسعينيّات، ولكنّها عبّرت عن نفسها فقط في حرمان 15 ألفاً من الجيل الثالث من المواطنين في البحرين من أصول إيرانيّة «عجم» من الجنسيّة البحرينيّة، وكان تشدّدها التمييزيّ المقيت في هذا الجانب عملاً سياسيّاً بامتياز بدعوى المحافظة على هوية البحرين «العربيّة»… وعلى الرغم من تسريع النظام لتجنيس الالآف من «السنّة» العرب والآسيويّين بعد ذلك لتغيير التركيبة السكانيّة للبحرين.
ولإنعاش ذاكرة القارئ أقول أنّ وزير شؤون مجلس الوزراء في ردّ على تساؤلات النائب البرلمانيّ الشيخ علي سلمان في مطلع 2011، ذكر أنّ من تمّ تجنيسهم خلال الفترة 2007-2011 كانوا حوالي 39 ألف شخص… ولكن سماحة الشيخ علي سلمان لم يستطع وقتها، أو أنّ وضعه القانونيّ أو حصانته البرلمانيّة لم يساعداه من أن يسأل أو يعرف من هم هؤلاء المجنّسين؟ ومن أيّ جنسيّات؟ وما هي الشروط أو الأسباب لمنحهم الجنسيّة؟… حدث صمت مدهش..!! وجريدة الوسط بعد ذلك كشفت في إحدى المرّات أنّ عدد المواطنين زاد في عام واحد 30 ألف مواطن… ولكنّها فشلت في معرفة من أين أتى هؤلاء… من هم؟ وأين هم الآن؟ إلخ…
بوست: هل فعلاً جناح الخوالد متحكّم في المشهد السياسيّ على مستوى عائلة آل خليفة؟ وأين يقع الملك حمد بن عيسى بين تلك الأجنحة؟
البندر: بالطبع كما ذكرت، هم بطانة الحكم ويتحكّمون في مدخلاته ومخرجاته… مصلحة الملك في تأمين الظروف والقوّة لينتقل الحكم منه إلى أحفاده… لذلك عندما تتعمّق أزمة البحرين سيضطر الملك للتخلّص من عصابة «أولاد بنات السويديّ»… في أيّ لحظة يقتنع الملك أنّ بقاء الحكم يتطلّب التخلّص منهم سيفعلها، ليحقّق الهدف من تحميلهم أخطاء النظام، ويجدّد جلده كما أصبح الوضع بعد استفتاء ميثاق العمل الوطنيّ… طاهرة من كلّ سوء… وغفر الله عن الماضي ونفتح صفحة جديدة… كما فعلها السادات في مصر ضدّ مراكز القوى… وكما يفعلها «ضب» الصحراء عندما يتخلّص من ذنبه للهروب…
بوست: لماذا تتحدث عن جناح خليفي بتسمية «أبناء بنات السويديّ»، ما سرّ ذلك؟
البندر: أبناء بنات السويديّ هم من يشكّلون بطانة الحكم اليوم، حيث يسيطر خالد على الديوان الملكيّ، وأخوه على منظومة الأمن والدفاع، وأولادهم على ديوان وليّ العهد… بل على مراكز مفتاحيّة في الاقتصاد… وأصبح شيخ أحمد «وزير المتابعة بالديوان الملكيّ»، وشقيقة محمّد «رئيس الديوان الملكيّ السابق» يشرفان على امبراطوريّة اقتصاديّة في مجال الاستثمارات العقاريّة، والماليّة، والتعليميّة بمئات الملايين من الدنانير، وهم إلى العام 2000 كانوا يعيشون في مستوى أقلّ من أيّ فرد في العائلة الحاكمة.
السبب في التسمية يرجع أيضاً إلى أصول والدتهم الإماراتيّة؛ ولأنّ أمهاتهم لسن من آل خليفة فهم في التصنيف الخليفيّ «شيوخ درجة ثانية». لذلك هم بسيطرتهم الآن على مفاتيح السلطة والثروة يثيرون حفيظة أفراد من العائلة نفسها، ويحاولون، لعقدة النقص والدونيّة التي يستشعرونها، أن يتصرّفوا بصورة أكثر تشدّداً لإثبات الولاء للحكم… وانظر كيف يتصرّف وزير العدل «أمّه مصريّة، وزوجته مغربيّة»! ستفهم خلفيّات العنجهيّة، وعدم الأمان والتشدّد الذي يتميّز به… فهو يستشعر هذه الدونيّة في كلّ خطوة يقوم بها، وصدقني هنالك من يعمل على الانقلاب عليهم داخل العائلة أكثر من أيّ جهة إقليميّة أو معارضة… صراع مكبوت ولكنّه ضاريّ!…
بوست: الكلام عن الدور السعوديّ المهيمن على البحرين قد ينسخ فرضيّة الأجنحة أو على الأقل يقلّل من أهميّتها، حدّثنا عن رؤيتك للتناغم بين الدور السعوديّ ودور الأجنحة على مستوى الحكم، والضبط، والسيطرة في البحرين؟
البندر:البحرين الآن ملفّ متواضع أمام القيادة السعوديّة في حزمة الملفّات الكبرى الأخرى والحاسمة التي تواجهها.
في تأمين ناعم لانتقال السلطة فيها، ومواجهة زلزال الخلافات مع قطر، والتنظيم الدوليّ للإخوان المسلمين، والانقسام داخل أجهزة الحكم في واشنطن «الرئاسة، الدفاع، الاستخبارات، الخارجيّة» في الوصول لموقف موحّد تجاه السعوديّة والعلاقة مع إيران، إلخ… الديوان الملكيّ مصاب بحالة اكتئاب وصداع نصفيّ حادّ من تراجع مركز «ملف البحرين» في أروقة الحكم السعوديّ… وفي تقديري أنّ الأجنحة داخل العائلة المالكة في السعوديّة، أو داخل العائلة المالكة البحرينيّة فشلت في خلق تحالفات ثنائيّة ثابتة، لانعدام وجود مصالح ذاتيّة مباشرة بين هذه الأجنحة، هذه التحوّلات العميقة تقلق العائلة الخليفيّة أكثر من العائلة السعوديّة…
بوست: هناك تفجيرات في البحرين تبنّتها جهات تطلق على نفسها اسم «سرايا الأشتر والمختار» وغيرها، كيف تحلّل هذا المشهد؟
البندر: كما أردّد دائماً، أنا سودانيّ عائش تجربة الحرب الأهليّة وإفرازاتها… وأعرف من واقع تجربتي أنّ من يحمل المولوتوف اليوم لن يتردّد في حمل الكلاشنكوف غداً، السلاح متوفّر داخل البحرين، ويمكن سرقته من داخل مقرّات الدولة الأمنيّة كما يستمر تهريبه من الخارج، هذه وقائع معلومة للقاصي والداني، والذي يتمعّن، كما ذكرت قبل ذلك في استشهاد حسن العكريّ، وهو شاب يبلغ 21 عاماً، ويواجه أحكاماً بالسجن ضعف عمره… ماذا تركت لهؤلاء من خيار غير الشهادة؟.. أنا لا أدعو للعنف في البحرين، فممارسات الدولة، وقمعها، واستمرار ظلمها، واستبعادها الممنهج للشيعة من دائرة السلطة والثروة مع تراكم السنين، هي وصفة جاهزة للاشتعال وبيئة حاضنة لهذا النوع من المقاومة، مررنا في السودان بهذه المنعرجات وأعرف شخصيّاً مراراتها وثمنها… لذلك عندما سألني جلالة الملك عام 2006 لماذا تتدخّل في البحرين؟ فدارفور تكفيك!…كان ردّي عليه بانّنا لا نريد للبحرين بأن تكون دارفور أخرى.
بوست: هل يمكنك أن تتحدّث عن خارطة رجال الأعمال في البحرين؟ هل رجال المال والأعمال الكبار لديهم اصطفافات حسب الأجنحة الخليفيّة؟
البندر: الصراع في البحرين، مثل كلّ مكان آخر، في جوهره يدور حول من يتحكّم في السلطة وبالتالي في الثروة… هذا باختصار هو أساس النزاع، الطائفيّة، أو العرقيّة أو الجهويّة، كلّها قنوات لتغطية أو تشويه أصل النزاع، ومحاولات لتبريره، أو إعطائه الشرعيّة… الصراع محتدم الآن بين مجموعات تختبئ خلف الديوان الملكيّ لتحصل على نصيبها من كعكة الثروة التي هيمن عليها الشيخ خليفة، والفئات التجاريّة المتحالفة معه أكثر من 40 عاماً… وأوضح قرار أصدره الملك كان في سبتمبر 2006 بتحويل مؤسّسة نقد البحرين إلى مصرف البحرين المركزيّ حتى يستطيع من خلال احتكاره إدارة مدخلات ومخرجات القطاع الماليّ، والحفاظ على مصالح الأسرة الحاكمة… هل تسأل أيّ شخص عن عدد الشيعة في قيادة هذا الجهاز المهم لتنظيم مجالات الثروة وبالتالي السلطة في البحرين؟ كم عددهم؟ ومن هم؟ هل نظر أحدكم إلى المستفيد من تمويلات البنوك في قطاع الأعمال خاصة وهو يحوز على أكثر من 60% من القروض والتسهيلات المصرفيّة لأولئك الذين يسيطرون على قطاع النقل، والاتصالات، والسياحة، والصناعة، والعقارات؟ من هم؟ وما هي نسبة الشيعة فيهم؟ … في العام 2013 حصل أشخاص على تسهيلات مصرفيّة بمبلغ تجاوز 9 مليارات دولار… هل تسأل أي شخص أو محرّر للشؤون الاقتصاديّة في أيّ صحيفة من هم؟ وما هي نسبة الشيعة منهم؟ وما هي الجهة التي سهّلت هذه القروض؟ المصارف الإسلاميّة والتي يسيطر عليها الإخوان المسلمون في البحرين، ودائعها تجاوزت 23 مليار دولار … ما هو نصيب الشيعة في تمويلها لأي مشروعات داخل أو خارج البحرين؟… أين هي؟ ولصالح من؟ ومن المهم الإشارة هنا لزيادة تمويل هذه البنوك لاستثمارات مشتركة مع الديوان الملكيّ بصورة سريعة، حيث كانت 106 مليون دولار في 2003، ولكنّها في العام الماضي تجاوزت 624 مليون دولار…. هل تمعّنت بالنظر في عمليات بورصة البحرين؟ ولصالح من يعمل يوسف الحمود مديرها؟ هي مؤسّسة تستبعد الشيعة بامتياز… وهنالك 47 مؤسّسة خاصّة تعمل في مجال المضاربات في البورصة … من يملكها؟ ولصالح من تعمل؟ … ولعلّك أيضاً بمراجعة ملابسات فضيحة محمود الكوهجي وألبا، وخلفيّات مجلس التنمية الاقتصاديّة وانتخابات الغرفة التجاريّة خلال السنوات الماضية، والتي كانت أكثر ضراوة من الانتخابات النيابيّة والبلديّة – تستطيع أن تدرك ما أقصد…
زد على ذلك ما كشفت عنه وثائق الويكيليكس عند الاصطفافات في قطاع المال والأعمال في البحرين، كنت أتمنى أن يعكف شباب على ترجمة ملخّصات لهذا المنجم الذي يكشف النقاب عن تقاطعات مدهشة بين المال والسياسة في البحرين. هل هذا اللقاء مناسبة لدعوة أن يتحمس البعض ويعكفوا على التنقيب في هذا المنجم ونشر بعض محتوياته؟… صدّقني رؤية أشياء كثيرة ستتتغيّر عند الكثيرين… فالصراع الحقيقيّ هو حول الأموال والودائع بالمليارات في المصارف، وليس حول 5 دوائر انتخابيّة، أو 40 ألف وظيفة في الخدمة المدنيّة، والتمثيل في سلطة كلّ ميزانيّتها السنويّة لم تتجاوز بعد 3 مليارات دينار.