منامة بوست (خاص): تعاني قرية العكر هذه الأيّام حصارًا أمنيًا ضيّق على الأهالي في أمنهم ومعاشهم، حيث داهمت وحدات أمنيّة عشرات البيوت، وكسّرت محتوياتها، كما تفرض حظر تجوال في الليل، ما يؤرّق الوضع الإنسانيّ في القرية.
وتتواصل مداهمات قرية العكر منذ أسبوع بشكلٍ غير اعتياديّ، هذا الطابع الذي تطبّعت عليه قوّات الأمن النظاميّة تجاه هذه القرية منذ بداية ثورة الرابع عشر من فبراير/ شباط من عام 2011، وراءه ما وراءه من أسبابٍ وتداعياتٍ وصورٍ مطبوعة على جبين التاريخ.
وقبل استعراض تلك الأسباب والتداعيات والصور، فإنّ علينا أن نتذكّر أنّ عشرات من شباب العكر قد زُجّوا في السجن بتهمٍ ثقيلة، بعضها كيديٌّ وبعضها مبالغٌ فيه، وبعضها حقيقيّ، وذلك لأنّ الشباب العكريّ متحرّكٌ في الميدان بشكلٍ فاعل وموجع على مستوى الحِراكات الشبابيّة الليليّة التي تخرج في عددٍ من مدن وقرى البحرين.
يمكن فهم عقليّة السلطة تجاه العكر عبر عاملين: تعامل الأهالي مع الأجهزة الأمنيّة، والعكس، فقد فرضت الأجهزة الأمنيّة حصارًا مريرًا على القرية في أكتوبر/ تشرين الأوّل من عام 2012، وقد تتالت النداءات بفكّ الحصار، حين أطلق ائتلاف شباب الرابع عشر من فبراير نداءً لقرى البحرين، وخصوصًا المجاورة لقرية العكر للانطلاق في مسيرةٍ تتّجه للقرية من أجل فكّ الحصار عنها، كما أطلقت جمعيّة الوفاق الوطنيّ الإسلاميّة نداءً للمنظّمات الدوليّة بالتدخّل العاجل لفكّ الحصار لأسبابٍ إنسانيّة.
كما أنّه من المفيد تذكّر أنّ عددًا من الحراكات الميدانيّة في هذه القرية كانت مختلفة عن بقيّة المناطق، منها ما جرى في مارس/آذار من العام الجاري حيث انفجرت عبوة مصنّعة محليًا قرب رجال الأمن، ممّا خلّف جريحًا بين صفوفهم. وقد طوّقت وحدات من الشرطة القرية وقتها، فيما اقتحمت قوّةٌ من الكوماندوز عددًا من البيوت والمزارع بحثًا عن الضالعين في ذلك التفجير، في الوقت نفسه دأبت وسائل الإعلام الرسميّة على إخراج الموضوع بشكلٍ مضخّمٍ جدًّا، ما ساعد على تحريك الدبلوماسيّة لاستجداء استنكارات وإدانات من هنا وهناك.
وانفجرت قنبلة أخرى في مايو/ أيّار من هذا العام وجرحت خمسة من الشرطة الأجانب (المرتزقة)، ما جعل هذه المنطقة بالنسبة للنظام موئل إزعاجٍ وألم.
قبل تلك الحادثة بشهر –أي في شهر أبريل/ نيسان احترق أحد البيوت قيد الإنشاء، وبداخله شابٌ يدعى حسين أحمد شرف، وبحسب شهود فإنّ الدفاع المدنيّ قد تأخّر على غير عادته، الأمر الذي أودى بحياة حسين شرف جرّاء ذلك الحريق المُبهم. المُلفت في تلك الحادثة أنّ «سرايا المختار» قد أطلقت بيان تعزية، ولقّبت الشاب حسين بـ «شهيد المقاومة»، وأنّه أحد منتسبيها المناضلين، فيما تحدّث آخرون عن أنّ الشهيد كان محكومًا بإثني وأربعين عامًا، وهو من المطاردين المتوارين عن الأنظار لعدّة شهور.
ومثل تلك الأحداث كثيرة الحدوث في قرية العكر، سواءً في طريقة قتل الشباب واعتقالهم وتعذيبهم، أو في طريقة تصدّي الشباب لقوّات الأمن وتكبيدهم خسائرًا بشريّة وماديّة.
إلّا أنّ الأسباب التي تقف وراء ذلك تحتاج لتفحّصٍ ومجهر، فأهالي القرية شديدي التديّن من جهة، ومن جهة أخرى يتمتّعون بحسٍّ عفويّ متطبّع بالطباع البحرينيّة العريقة، كالغيرة والحميّة والشجاعة، والأهم في هذا السياق أنّ الأهالي (أو غالبيّتهم)، لم يعطوا ولاءهم لأيّ جهةٍ سياسيّة، ما يجعل سوقهم نحو خيارٍ مّا أمرًا عسيرًا.
وهذا ما قوّى شوكة انطلاقة الثورة، حينما انطلق الرمز الوطنيّ عبدالوهاب حسين في فجر الرابع عشر من فبراير/ شباط من عام 2011 لإشعال الثورة، كان شباب العكر من أوائل من حضروا النويدرات وشاركوا في وهج المسيرة، ولاحقًا، ساهموا في ضخّ الحماس في دوّار اللؤلؤة.
فاعتقال العشرات منهم، وتطويق قريتهم ما بين الفينة والأخرى، إنّما يأتي كسياسة إركاعٍ لهم، ولإضعاف الخيار الثوريّ وترجيح الخيار السياسيّ في البحرين.
السؤال البديهيّ الذي يمكن طرحه: لأيّ مدىً سيواصل العكريّون النسق نفسه من الثورية؟ وهل سجن خيرة شبابهم سيساهم في تغيير الخيارات لديهم؟