صحوةُ الطاغوتِ خَمرٌ، والهتافاتُ حشيشْ
آهِ لو أَلقى على التاريخِ نَظْرهْ.. آهِ لو حاولَ أَنْ يُدرِكَ سِرَّهْ
لرأى أنَّ الجماهيرَ رياحٌ.. وعُروشَ الظُلمِ ريشْ
وَلألفى كلَّ فَصلٍ دَمَوِيٍّ ينتهي دوماً بفِقرهْ
يَسقُطُ الحاكِمُ.. والشعبُ يعيشْ!
أحمد مطر
منامة بوست (خاص): جزيرةٌ تقع شرق العاصمة البحرينيّة المنامة، امتازت بنسيجٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ مميّزٍ رسم ملامح تاريخها العريق في الحراك الوطنيّ منذ عشرينيّات القرن الماضي حتّى يومنا هذا؛ «المُحرّق»، والتي لقّبها رموز الحركات الوطنيّة بـ«بورسعيد البحرين»، وتعتبرها الأوساط الشعبيّة «ملح البحرين»، بسبب تركيبتها السُّكانيّة العجيبة، وروح أهلها التي لا تحتمل فراق ترابها. ويُقال أن تسميتها ترجع إلى أنّ أحد ملوك «الحيرة» الذين بسطوا حكمهم على هذه المنطقة قبل الإسلام، كان «يُحرق» خصومه السياسيّين للتخلّص منهم في هذه الجزيرة.
لقد لعبت «المحرّق» دوراً نضاليّاً حافلاً بتخريج دفعاتٍ وطنيّة وقوميّة سطّرت ملاحم مجابهة «المستعمر البريطانيّ»، ورَفَعَت المطالب السياسيّة من شتّى «الفرجان – الأحياء»، وبمختلف التوجّهات والأطياف الفكريّة والسياسيّة في مسيرة النضال الوطنيّ على هذه الجزيرة.
ونستذكر هنا كوكبة من رجالات المحرّق الذين دوّنوا أسماءهم في تاريخ الحركة الوطنيّة، مثل، «الشيخ عبدالوهاب الزيّاني، عبدالرحمن الباكر، الشهيد محمد بونفور، محمد غلوم بوجيري، الحاج عبدالله فخرو، محمد جابر الصّباح، عبدالله مطيويع، والمناضليْن الراحليْن الدكتور عبدالرحمن النعيمي والشيخ عيسى الجودر»، وغيرهم من مناضلي الحراك السياسيّ الوطنيّ الذين قدّموا تضحياتهم أثماناً باهظة لنضالهم.
لم يستذكر الملك حمد بن عيسى آل خليفة قائمة هؤلاء الرجال في لقائه عدداً من أهالي المحرّق يوم الأربعاء 2 يوليو/ تمّوز 2014، على وجبة إفطارِ شهر رمضان، ولن يستذكرهم، ولن يملك الجرأة على استذكارهم، فهم ذكرى سيّئة بالنسبة له ولأسلافه، شأنهم شأن «نصب دوّار اللؤلؤة»، الذي انتقم منه وحطّمه. كانت الكلمة الوحيدة الصادقة منه أنّ «المُحرّق عُرِفَتْ بِعَرَاقَتِهَا وأصالَةِ أَهْلِهَا وعَطَائِهِم المُتَواصِل، وبِوَطَنِيَّتِهِم العَالِيَة، وَوَلائِهِم المطلق، وانتمائِهِم الفريدِ لِوَطَنِهِم». نعم نتّفق على أنّ للمحرّق تاريخاً عريقاً وأصيلاً بأهلها الوطنيّين الصادقين، وولائهم المطلق، والانتماء الفريد للبحرين فقط، إن كان هذا ما يعنيه الملك.
وهنا محطّة أخرى صادقة وواضحة في خطابه، وهو يستجدي المشاركة في الانتخابات النيابيّة المقبلة، الهاجس الأكبر لديه من «عار الفشل الديموقراطيّ» الذي يتغنّى به ليل نهار، ويدندن به وسط «هتافات الحشيش للذين من حوله». لا يزال جلالته يعيش نشوته بـ«مسرح عرائس» مؤسساته الدستوريّة، والمشاركة في الحكم بخيوطٍ تُحرّكها الرياض من «غرف النوم»، و«المكالمات العاطفيّة» مع الأمريكيّ والبريطانيّ، و«هتافات الحشيش» تزيد من هذه «النشوة الكاذبة».
ولو كُتبَ لعقارب الزمن العودة للوراء، لعاد «ملكُ الحِيرة»، ولثار كُلُّ هؤلاء الرّجال على خطاب جلالته، وعلى أقلّ تقدير احتجاجاً على «صرح المشاركة الوهميّ في الحكم»، ولقالوا له «هذا خطابٌ مزيّف وادّعاءٌ كاذب، أسّسه المستعمر البريطانيّ وأسلافك، وأنت جدّدته يوم ميثاقك الذي نقضته». لا زالت صرخات ابن المُحرّق «المرحوم عبدالله فخرو» تدوّي في آذان طابورٍ طويلٍ – يوم التصويت على الميثاق، «لا للميثاق.. نعم لدستور 73..»، ليردّ عليه أحد المُتَنفّعين، «صلّ على النبي يا حجّي عبدالله.. إن شاء الله الأمور بتصير زينة..»، ليردّ عليه، «اش عرّفك انت وشدرّاك..؟! هاذي أخس من أبوه وعمّه..». كلّ أبناء «فريج ستيشن»، والناصريّون والوطنيّون تحديداً يعرفون مواقف الراحل «فخرو»، ويحفظون كلّ حكاياته مع السُّلطة، أشهرها اتّهامهم له بالجنون..! فكلّ من يعارض النظام مُتهم، إمّا بالخيانة أو العمالة أو الجنون.
لا يملك الحاضرون على مأدبة «إفطارالملك» أن يكونوا ممثلّين عن «أهالي المحرّق»، فمن غير الممكن أن تُختَزلُ المُحرّق في شخص «تاجر العقار، حسن إبراهيم كمال» الذي قال في خطابه أنّ المحرّق كلّها جاءت برجالها ونسائها، ولا «العسكري السابق، المُحافظ سلمان بن هندي» الذي أشاد بكرامة العيش للمواطن البحرينيّ. أين الشراكة التي يتحدّث عنها جلالته، وأهل «فريج كريمي، والحيّاك، والبنّائين، والصاغة، والحدّادة، وستيشن» غائبين؟ أين «أهل الدير وسماهيج وعراد»؟
لا بُدَّ أنّ جلالته يُدركُ أنّ حضور هؤلاء القوم سيلعثم خطابه وادّعاءاته، وسيسألونه عن دم الشهيد يوسف موالي وحُسام الحدّاد، وزكريّا العشيري، وأبناء مَدنْ. سيسألونه عن دم الشهيد محمد بونفّور ومحمد غلوم بوجيري. سيسألونه عن كلّ الفصول الدمويّة التي ارتكبها أسلافه حتى ثورة 14 فبراير 2011. سيسألونه عن ميليشيات المجنّسين المنتشرة في أرجاء المحرّق، والذين سينقلبون عليه يوماً من الأيام. كلّ هذه الأسئلة ستوقظ «الطاغوت من نشوة خمره، وستُنْهي هتافات الحشيش»، جلالته سيرى رياح الجماهير المحيطة بعرشه الظالم «المشيّد من الريش»، وسيسمع الأصوات تهتف «يسقط الحاكم.. والشعب يعيش».