منامة بوست (خاص):في لقائه مع «منامة بوست»، فجّر الناشط الحقوقيّ الكبير نبيل رجب مفاجأة بقوله أنّ مركز البحرين لحقوق الإنسان درّب آلاف الشباب على العمل الحقوقيّ، وأرسل المئات إلى الخارج من أجل تعلّم القوانين والعمل الحقوقيّ بحرفيّة عالية، وعن وضع البحرين قال رجب أنّ القوانين التي سُنَّتْ والتي شُرِّعت في الفترة الماضية من قبل ملك البلاد حوَّلت البحرين إلى مملكة دكتاتوريَّة، مضيفاً أنّ ذلك يصعب على كلّ القوى السياسية العمل في ظروف وفي بيئة مؤاتية وبيئة إيجابيّة، ورأى رجب أنّ الحديث حول حلّ سياسيّ قريب بات أبعد، معلّلاً ذلك برزمة القوانين التي يصدرها ملك البحرين، ووصف نبيل رجب أنّ دخول المعارضة الانتحابات هو شبه ضرب من خيال، إلا أن تكون هناك معجزة، وهذا نصّ المقابلة:
هل تمثّل حقوق الإنسان في الوقت الحالي أداة رافعة للعمل السياسيّ؟ بمعنى عامل مساعد حقيقيّ للعمل السياسيّ؟
باعتبار أنّ غالبيّة الهدف الذي تنشده المؤسّسات الحقوقيّة هو معايير حقوق الإنسان لتحقيق العدالة، وتحقيق المساواة، والحريّة وحقوق الإنسان، وكلّ ذلك من المشتركات مع مطالب المؤسّسات والجماعات السياسيّة، ربما بأيديولوجيّات وطروحات مختلفة، ولكن في نهاية المطاف الجميع يسعى لتحقيق العدالة، نعم كلّما تحقّقت معايير حقوق الإنسان واستطعنا تحقيق هذه المعايير كان أفضل للمؤسّسات السياسيّة، وَفَّرَ الظروف المواتية والمناسبة للجمعيّات والمؤسّسات لأن تعمل، وعلى هذا الاعتبار أقول: نعم، إنّ العمل الحقوقيّ يدعم بشكل مباشر أوغير مباشر العمل السياسيّ، وربّما لا يدعم تيّار عن آخر، أو اتّجاه عن آخر، يدعم العمل السياسيّ بصورته العامّة، كما يدعم العمل الاجتماعيّ والثقافيّ وكلّ الأعمال، على اعتبار أنّها معايير دوليَّة نستطيع أو نحاول أن نحقّقها، كلّها متعلّقة بالإنسان، وحقّ الإنسان، وكيفية التعامل مع الإنسان.
الاختلاط بين السياسيّ والحقوقيّ يؤدّي إلى تضييق المساحة الفاصلة بينهما، ما يشوّش دور الفرد الحقوقيّ، كيف يمكنك أن توضح دور الناشط الحقوقيّ؟
الخلط بين العمل السياسيّ والحقوقيّ هو ذريعة تتذرّع بها الأنظمة الاستبداديّة بعد ازدياد تأثير المؤسّسات الحقوقيّة، محاولة منهم لخلط الأوراق، واتّهام القوى الحقوقيّة بأنّها تحمل أجندة سياسيّة، ولكن نحن كقوى حقوقيّة أو كقوى سياسيّة يجب ألا نكرّر ما تريده الحكومات، أو أن تشغلنا به الحكومات، لا يوجد اختلاط، هناك فرق بين العمل الحقوقيّ الذي نقوم به والعمل الحقوقيّ الذي تقوم به في المؤسّسات الدوليّة، وهو أنّنا بجانب كوننا نشطاء حقوقيّين، نحن مناضلون للعمل الحقوقيّ، ومكافحون لأن تتحسن أوضاع حقوق الإنسان، ونحن نحتفظ أو نلزم الاثنين، العمل الأكاديميّ، العمل التقريريّ، والعمل الكتابيّ، وعمل الرصد لانتهاكات حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه عمل الكفاح وعمل النضال الذي هو النزول مع الناس في الشارع ومشاركتها فعاليّاتها وقضاياها، وهذا قليل من المؤسّسات الحقوقيّة الموجودة في العالم اليوم تقوم به، وهذا يعطي المؤسّسة ويعطي المناضل المزيد من المصداقيّة، ربما لهذا السبب نحن في مركز البحرين لحقوق الإنسان كسبنا مصداقيّة كبيرة في العالم، على اعتبار أنّنا لسنا فقط نرصد ونوثق ونوصل للمؤسّسات الدوليّة، بل ننزل إلى الضحايا المسلوبة حقوقهم، وندافع ونناضل من أجل أن يحصلوا على حقوقهم، إلى جانب أن نعلِّم الناس، ونمكِّن الناس من كيفيّة الوصول إلى حقوقها، كيفيّة انتزاع حقوقها، وهناك القليل من المؤسّسات الحقوقيّة على المستوى العالميّ ممن تقوم بما نقوم به الآن، ولكن هذا يكسب حراكنا ويكسب ثورتنا مزيداً من المصداقيّة، على اعتبار أنَّا لسنا نشطاء حقوقيّين فقط بل مناضلون حقوقيّون.
هل تراكم الضغط الدوليّ «حقوقيّاً» يغيّر من مسار السياسة الخارجيّة لكلّ من واشنطن ولندن؟ وهل لمستم شيئاً من هذا القبيل؟
لا يوجد موقف واحد سيغيّر العالم، أو سيغيّر مواقف الدول الغربيّة، ولكن تراكم العمل وتراكم النتائج والعمل التراكميّ هو الذي يخلق التغيير، نعم، على مدى السنوات الماضية صار هناك نشاط كبير في موضوع حقوق الإنسان في البحرين، واستطعنا أن نغيّر، واستطعنا أن نضع اسم البحرين في الأجندة، في أوروبا، وفي البرلمان الأوروبيّ، وفي المؤسّسات الأوروبيّة، وكذلك الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ولهذا ربما الموقف الأمريكيّ لم يعد بذاك السوء كما كان سابقاً، ربما لا زال موقفهم سَيِّءْ، ولكن أفضل من ذي قبل بست أو سبع سنوات مضت، الآن هناك الموقف الإنجليزيّ الذي هو الأسوأ، ولكن أنا دائماً متفائل، الاستمرار في الفعاليّات والاستمرار في الضغط على هذه الأنظمة، وكشف ازدواجيّة معاييرها مع الشعوب هو ما سيخلق مواقف جديدة لهذه الدول، نحن استطعنا، ولو قليلاً، التغيير في الموقف الأمريكيّ على مدى السنوات الماضية، والآن الأمريكان في الموضوع السياسيّ – وطبعاً في الموضوع العسكريّ هم مع النظام- ولكن في الموضوع السياسيّ يحاولون أن يكونوا في المنتصف، وهذا التطوّر نتيجة هذا التراكم الذي بنيناه على مدى الأعوام الماضية، ومزيداً من التراكم ومزيداً من التغيير وهذا ما نطمح له في الفترة القادمة إن شاء الله.
في هذه الفترة ولقرب استحقاق الانتخابات النيابيّة، يتطلّع البعض لتسوية أو «حلّ»، كيف يمكن حمل الملف الحقوقيّ في كلا السيناريوهين «المقاطعة/ المشاركة»؟
الحديث حول حلّ سياسيّ قريب بات أبعد، اليوم مع رزمة القوانين التي يصدرها ملك البحرين، أصبح الحلّ بعيداً والحديث حول دخول المعارضة الانتحابات هو شبه ضرب من خيال، وإلّا حتى أن تكون هناك معجزة، يعني مع القوانين الصادرة تراجعت الأمور كثيراً إلى الوراء، ويبدو أنّ النظام مستمرٌ في هذه التراجعات، ونعتقد أنّه ليس من المجدي الحديث حول أيّ انتخابات الآن، هناك كمٌ هائلٌ من القوانين والإجراءات يجب التعامل معها قبل الدخول في أيّ برلمان، لأنّ البرلمان – حتى لو كانت المعارضة اليوم ستُعطى، وربما تُعطى أغلبيّة في البرلمان- ولكن هناك مؤسسة الفئة البرلمانيّة قد شُلَّتْ، وأصبحت مؤسّسة عديمة الجدوى، وكذلك القوانين التي سُنَّتْ والتي شُرِّعت في الفترة الماضية من قبل ملك البلاد حوَّل البحرين إلى مملكة دكتاتوريَّة، بما يصعب على كلّ القوى السياسيّة العمل في ظروف وفي بيئة مواتية وبيئة إيجابيّة، وأكرر أنّ حتى لو المعارضة حصلت على الغالبيّة في البرلمان ستكون عديمة الجدوى، الوضع يحتاج إلى تغيير، تغيير شامل ليس في عدد النواب وليس في عدد الوزراء، ولكن تغيير مؤسّسي وتغيير تشريعيّ كامل في البلاد، البلاد تحوَّلت إلى مملكة دكتاتوريَّة، ولا أعتقد أنّ المعارضة ستدخل الانتخابات، ولا أعتقد أنّه يمكن الحديث حول مصالحة مع النظام في ظلّ هذه التراجعات المستمرّة، هناك الكثير الذي يجب تغييره قبل الحديث حول أيّ مصالحة أو انتخابات، والآن نرى الأمور في تراجع إلى تراجع وهذا أمر سيء، ويجب التعامل معه كما هو ويجب عدم غض النظر عنه، الأمور باتت سيئة في البحرين، النظام يستهدف الناس على معتقداتها، وعلى أمورها الدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة، هناك حرب يشنّها النظام الحاكم على الناس ويجب التركيز في هذه الحرب وكيفية التعامل مع هذه الحرب، ومقاومة هذه الحرب عوضاً عن الحديث عن أشياء مثل الانتخابات التي لن تحلّ، ولن تربط، ولن تضع الحلول لقضيّة البحرين والأزمة التي نعاني منها.
ما هي أنشطتك في الفترة المقبلة؟ وما هو استشرافك لجلسة مجلس حقوق الإنسان في جنيف؟
الآليات الدوليّة بما فيها اللجان التعاقديَّة ومجلس حقوق الإنسان تبقى هي طرف وتبقى هي جهة في هذا التراكم الذي نتحدث عنه، وليس كلّ شيء، يعني هي جهة، آلية، أداة، يمكن الاستفادة منها واستخدامها لإبراز موضوع الانتهاكات في البحرين، وكذلك الضغط على حكومة البحرين، ولكن الأهمّ من كلّ هذا هو الشارع، الضغط الشعبيّ، لأنّ كلّ هذه الآليات الدوليّة لا تتحرّك إن لم يتحرك الشارع، وإن لم يكن هناك حراك قويّ في الشارع البحرينيّ، ولذلك يجب التركيز على الحراك الداخليّ، ويجب الضغط، ويجب الدفع نحو أن يكون هناك حراك قويّ، الحراك الشعبيّ القويّ هو الذي يحرّك الآليات الدوليّة، وهو الذي يحرّك المجتمع الدوليّ، وإن برد الحراك في الداخل سيبرد الحراك في مجلس حقوق الإنسان وفي الآليات الدوليّة، ولهذا السبب يجب أن ندعو نحن إلى مقاومة الظلم الممارس على شعبنا بطرقٍ سلميَّة ولكن الاستمرار بهذه المقاومة، لأنّنا نتعرّض إلى أسوأ عمليّة استهداف في تاريخ البحرين، منذ قدوم هذه الأسرة الحاكمة من الخارج، ويجب أن نركّز على الدور الشعبيّ، وهذا العمل الشعبيّ، وهذا العمل المقاوم لهذا الظلم والاستبداد ويجب أن نستفيد منه على الصعيد الدوليّ، ولكن كما قلت لك يجب عدم إعطاء الموضوع الكثير من الاهتمام وإهمال الطرف الآخر وهو الطرف الشعبيّ والطرف الداخليّ، ما هو موقفي؟ وما هو دورنا في الفترة القادمة؟ طبعاً أنا خرجتُ من السجن بعد سنتين وهناك الكثير من الأعمال التي يجب أن تُنجز، وأنا أعمل بكلّ طاقتي، وبكلّ قدراتي، وبكلّ إمكانيّاتي، أنا والمؤسّسات التي أعمل بها وعلى رأسها مركز البحرين لحقوق الإنسان، على أن نبرز، ونعمل، ونضغط، ونعبِّئ، لإبراز هذا الموضوع، وتأكَّد أنني كفرد أو كمؤسّسة أعمل بها لا نترك ساعة أو دقيقة إلا ونعمل بها لموضوع البحرين، وسوف يحرّك الـنشاط – إن شاء الله- الكثير من المياه الراكدة على مدى السنتين الماضيتين في الجانب الحقوقيّ، هذا ما نسعى إليه، وأنا أرى أنّ هناك اهتمام بزياراتي لكلّ الدول التي أزورها، من قبل الحكومات، ومن قبل أجهزة الإعلام، ومن قبل المنظّمات، والمؤسّسات الدوليّة، وأنا أحاول أن أوظف هذا الموضوع أو هذا الاهتمام إلى قضايا حقوق الإنسان وإلى القضايا الداخليّة، ووجودي داخل السجن في البحرين ربما أعطاني شعبيّة أكثر على الصعيد الدوليّ، صنع لي شعبيّة أكثر واحتراماً في المؤسّسات الدوليّة، واليوم هناك الكثير من الناس الذين يودّون أن يلتقوا، ويعملوا، وينسقوا مع مركز البحرين لحقوق الإنسان على اعتبار أنّ رئيسه كان في السجن، وهذا عامل إيجابيّ استفدنا منه، وسوف نوظفه لصالح قضيّتنا في البحرين إن شاء الله.
ما هي الثوابت التي تحملها في مسألة نصرة قضيّة البحرين؟ مثلاً: هل محاكمة قتلة الشهداء من الثوابت التي لا تغيّرها السياسة أياً كانت؟
طبعاً كلّ من مارس الانتهاكات ضدّ حقوق الإنسان يجب أن يُقدَّم إلى المحاكمة، كلّ من قتل، أو ساهم في قتل، أو أعطى أوامر، أو كان مسؤولاً بشكل مباشر أو غير مباشر، يجب أن يُقدَّم للمحاكمة، هذا هو الوضع الطبيعيّ، الآن إذا أراد الضحايا أن يعفوا وأن يغفروا هذا راجع لهم، وأنا كمؤسّسة وكفرد لا أستطيع، نحن نطالب المحاكم بجلبهم إلى العدالة، الآن لا يوجد مجال للحديث حول عدالة انتقاليّة لعدم وجود مصالحة، ولكن خبرتنا من الدول الأخرى، أنّ في هذه المواضيع عندما تنتقل إلى نظام ديمقراطيّ يتمّ التصالح بين الضحايا وبين منتهكي حقوق الإنسان بشكلٍ أو بآخر، وبأشكال متعدّدة، ولكن هذا غير واردٍ في البحرين لكون المصالحة غير موجودة، نحن نسعى إلى محاكمة من ينتهك حقوق الإنسان بشكلٍ مباشر، وبشكل غير مباشر، وجلبهم إلى القضاء المحليّ أو الدوليّ، والآن غير واردٍ لدينا المحليّ ولكن نسعى إلى أن نلاحق من انتهك حقوق الإنسان على الصعيد الدوليّ، هذا تحدٍّ وسوف نستمر من أجل الوصول إليه، لم نوفَّق 100% حتى هذه اللحظة ولكن هو أول تحدٍ، والأمور تجري في صالح حركات حقوق الإنسان. القوانين التي تصدر في الكثير من الدول والمؤسّسات التي تُخْلَق اليوم والتي لديها الولاية القضائيّة على الكثير من المواضيع، والكثير من المناطق، تقوّي حراكنا الحقوقيّ، وسنلاحق وسنستمر في ملاحقة منتهكي حقوق الإنسان، وهذه الثوابت ليست عندي بل [وليست]عند كلّ مؤسّسات حقوق الإنسان.
هل عملتم على تأسيس ثقافة «حقوقيّة» لكوادر شبابيَّة في البحرين، بحيث يأتي جيل لحمل قضايا الشعب؟ هل من أرقام في هذا الشأن؟
أنا سعيد لأنّ هناك جيل حقوقيّ في البحرين الآن، ولا أقول أنني خلقتُ هذا الجيل، ولكنّي أقول إنّنا -كحركة حقوقيّة- عملنا منذ خمسة عشر عاماً، مؤمنين بموضوع تمكين الأجيال الجديدة، مؤمنين بموضوع نشر الوعي الحقوقيّ على المستوى الشعبيّ، استطعنا تدريب الآلاف من الشباب البحرينيّين في الداخل البحرينيّ، وإرسال المئات من البحرينيّين إلى الخارج من أجل التدريب على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية، ونحن لازلنا مؤمنين بموضوع التمكين، ونشر الثقافة الحقوقيّة بين الناس على المستوى البحرينيّ والمستوى الخليجيّ، وأفتخر بأن أقول هناك جيل جديد سوف يستلم راية حقوق الإنسان من القياديّين السابقين. وأنا سعيد بأن أكون واحداً من المشاركين في خلق هذا الجيل الجديد، وأنا متفائل جداً، والدليل على ذلك وجودي ووجود عبدالهادي الخواجة في السجن لم يوقف العمل الحقوقيّ بل أعطاه دفعة أكبر، ولهذا السبب لم يعد العمل الحقوقيّ مقتصراً على نبيل أو على عبدالهادي الخواجة، لأنّ هناك جيلاً جديداً سوف يُهيِّء لجيل آخر بعده، وأنا أفتخر وسعيد بأن أكون أحد الذين شاركوا في تشكيل هذا الجيل، نعم هناك جيل، ولا يوجد خوف على حركة حقوق الإنسان في البحرين.