Saturday 23,Nov,2024 02:04

صحيفة بحرينية مستقلة

صحيفة بحرينية مستقلة

سجناء جوّ.. درس «فوكو» غير المكتمل

منامة بوست (خاص): يراد من السجن أن يكون مانعًا من ممارسة الحريّة، فضلًا عن ممارسة نشاط من الأنشطة، وبذلك يكون السجن أداة ثقافيّة تحبس الفعل عن أخذ مساحته، وتقلّصه في مساحة لا تتيح له

منامة بوست (خاص): يراد من السجن أن يكون مانعًا من ممارسة الحريّة، فضلًا عن ممارسة نشاط من الأنشطة، وبذلك يكون السجن أداة ثقافيّة تحبس الفعل عن أخذ مساحته، وتقلّصه في مساحة لا تتيح له أن يكون ذا فعاليّة تذكر، هكذا اشتغل الفيلسوف «ميشيل فوكو» في أركيوليوجيّة السجن.

ونظام آل خليفة كأيّ نظام ديكتاتوريّ معنيّ بأن يضع «الفاعلين» في الساحة و«المؤثّرين» في الميدان في ضيق السجن، لتضييق مساحة الفعل، وإبطال أثرهم الميدانيّ، وعلى إثره إبطال مفعولهم السياسيّ.

لكن لو كتب لميشيل فوكو، عالم الحفريات المفاهيميّة، عمرًا طال لهذا الوقت، كيف سيكون مبضعه الفلسفيّ وهو يقرأ أحداث سجن جوّ؟

طبيعيّ أنّ الحماسة لن تأخذه في موضوعة نفير المساجين «غيرة» على نسوة لا يتعدّى عددهنّ أصابع اليد الواحدة، وطبيعيّ أيضًا أنّه لن يكون في وارد الهمّ الحقوقيّ وقد تلطّخت جدران السجن بدماء الجرحى، وطنّة القضبان بتكبيرات الفتيان الذين وضعوا أرواحهم على أكفّهم.

فوكو فيلسوف، ومن المتوقّع أن يدرس الصيغة التبادليّة في التأثير ما بين نطاقين، «نطاق سجن جوّ» و«نطاق البحرين بأسرها».

فبدلًا من أن يضخّ الناس الأحرار خارج السجون «المعتقلين» بالإرادة، والثبات، والعزيمة، وكلّ مفردات الصبر وتشجّم العناء، يمدّ «سجناء جوّ» من هم خارج السجن بكلّ تلك المفردات، فتصير الصيغ المفاهيميّة ذات عمق غير منظور على السطح.

فأوّلًا: ثمّة دلالة في أحداث سجن جوّ «سواء السابقة أو الحاليّة» تشي بأنّ طورًا شبابيًّا قد تشكّلت ثقافته وصقل وعيه بصيغة لا تقبل القسمة على فروضات السياسة.

ثانيًا: القيمة القيميّة داخل السجن أكبر منها خارجه، ذلك أنّ هيجان شاب واحد حماية لعرض عائلته التي زارته، جعلت السجن برمّته في حالة هيجان، بل ووصل إلى التحدّي والمقارعة رغم انحصار خياراتهم، بينما لا يحصل ذلك خارج السجن.

ثالثًا: تمثلت شبكات التواصل الاجتماعيّ ومقاطع الفيديو «بالخصوص» شريانًا يصل ما بين السجن المذكور وما بين الناس، الأمر الذي صدم الناس بكميّة الضخّ الذي يدفقه قلب السجن النابض، وهو ينبض بالرفض والمقاومة.

رابعًا: لا يعني مما ذكر آنفًا أنّ ما قام به سجناء جوّ معجزة وقد قلبوا الطاولة، لكنّ فعلهم المشهود يحكي ثلاث نقاط:

الأولى: أنّ ما ينبضه سجناء جو يعني «تعجيل» سقوط فرضيّة الإصلاح اليوم وليس غدًا.

الثاني: أنّ كلّ ما تقوله الميديا وكلّ ما تحكيه منظّمات حقوق الإنسان هي أسماء إشارة قد تؤثّر في تفاصيل إعرابيّة في سياق الثورة، لكنّها ليست السياق الحقيقيّ لمضمونها.

الثالث: أنّ فهم ثورة البحرين لا زال غير نهائيّ البتّة، بمعنى؛ أنّ ما تحويه الثورة من تفاعلات لا يمكن أن يكون متوقّعًا، لا بحساب السياسة المحليّة، ولا بحساب منظّمات حقوق الإنسان، ولا بحساب القوى الإقليميّة ذات الأثر. ذلك لأنّ الثورة تترسّم من خلال حدود وعي جماهيريّ، متحرّر من عقال الكراسي الفارهة، وعليه فإنّ مآلاته لن تكون مفهومة حتى لمن كان لهم باع في التحليل والتقييم.

وعلى إثر ذلك، يبقى الحراك الثوريّ يضخّ قوّته ذاتيًّا، ويتجاوز كلّ الأيقونات، السياسيّة والحقوقيّة والثوريّة حتى، لتبقى عفويّة الناس حاكمة نسبيًّا «أو بنسبة كبيرة» على مخرجات الوضع.

وعودًا إلى فحص الأثر المفاهيميّ لـ «سجن جوّ المركزيّ»، فإنّ الأحداث التي جرت قد توحي بأنّ عصب الثورة وشبّانها الفعليّين موجودون كلّهم أو جلّهم في السجن، ما يعني أنّ النظام قد نجح في احتوائهم ميدانيًّا، ويعني أيضًا أنّ بنكًا معلوماتيًّا قد تمتّع به النظام أتاح له سجن كلّ هؤلاء.

في المقابل أنّه لو صحّ ذلك الفرض، فإنّ الأثر الفاعل لهؤلاء لم يبطل كما تقدّم، بل قلبوا المفهوم وأعطوا الدرس من الداخل إلى الخارج، وقدّموا التضحية مرّتين، مرّة وهم مهدّدون بالسجن، ومرّة وهم مهدّدون بالموت.


رابط المختصر : manamapost.com/?p=2015010903


المواضیع ذات الصلة


  • وزير خارجيّة المنامة و«عارُ التطبيع».. «اللي اختشوا ماتوا»
  • من «الاستفتاء الشعبيّ» إلى «العريضة الشعبيّة».. شعبٌ يقرّر مصيرَه
  • عام على حصار الدراز… والقرار «مقاومة»
  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *