منامة بوست (خاص): كان طبيعيًّا أن يُقرع جرس الإنذار في البحرين ودول الخليج الأخرى، بعد الانفجارات الإرهابيّة التي وقعت الشهر الماضي في مساجد شيعيّة في المنطقة الشرقيّة في القديح والدمام، والتي تبنّاها «تنظيم داعش الوهابيّ».
ودون مقدّماتٍ أو مجاملات أو انتظار، أصدر ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير في البحرين، والذي يقود الاحتجاجات اليوميّة منذ أكثر من 4 سنوات في مختلف المناطق البحرينيّة، بيانًا يدعو فيه لتشكيل لجانٍ شعبيّةٍلحماية المساجد والحسينيّات خصوصًا، والتجمّعات الشيعية عمومًا، سيّما مع اقتراب مناسباتٍ دينيّةٍ تكثر فيها هذه التجّمعات الشعبيّة؛ التيّارات الثوريّة الأخرى المعارضة في البحرين اتخذت النهج ذاته وأصدرت بياناتٍ تدعو للهدف نفسه، بيد أنّ السلطات البحرينيّة وفي مقدّمتهم الأجهزة الأمنيّة، أحدثت بلبلة وجلبة ضدّ هذه اللجان، وتصدّت لفكرتها، ولذلك أبعادٌ مختلفة، يأتي سياقها سريعًا في هذا التقرير.
هذه الانفجارات صاحبها هواجس شعبيةٍ بالتزامن مع تهديداتٍ أطلقها «تنظيم داعش الوهابيّ»، باستهداف مساجد شيعيّة في البحرين، وبغضِّ النظر عن مدى جدّيتها من عدمها، يبقى الأمر أنّه يوجد خطرٌ محدقٌ وشيك، فداعش «لا دين له إلا الإرهاب والتعطش للدماء».
بعد هذه التفجيرات، جاء تفجير الكويت، في مسجد الإمام الصادق (ع) «بحي الصوابر» ذي الغالبيّة الشيعيّة يوم الجمعة 26 يونيو/ حزيران 2015، بمثابة صدمة بكلّ المقاييس على جميع الأصعدة، السياسيّة والدينيّة والاجتماعيّة، على مستوى الداخل الكويتيّ، والإقليميّ في منطقة الخليج، بل حتى الصعيد الدوليّ، لتزامنه مع انفجاراتٍ طالت سيّاحًا أجانب في تونس، وضحايا آخرين في فرنسا، إلا أنّ الانفجار الإرهابيّ في الكويت، ربّما «أكل الجوّ» أكثر من الدول الأخرى، لاعتباراتٍ كثيرةٍ سيأتي سياقها لاحقًا أيضًا في هذا التقرير.
هل البحرين بحاجةٍ إلى لجانٍ شعبيّةٍ لحماية المساجد الشيعيّة؟ هل يجب الحذر واليقظة، سواء هدّد «داعش» أم لم يهدّد باستهداف مساجد للشيعة في البحرين؟ وهل العناصر الأمنيّة الرسميّة التابعة لوزارة الداخليّة، أهلٌ للثقة وذوو كفاءةٍ عاليةٍ لحماية المصلّين من الأخطار المتوقّعة؟ هذه الأسئلة، وأسئلة كثيرة وافتراضات عديدة تدور في خلد المواطن البحرينيّ، بعد تفشّي «دين الإرهاب الدمويّ».
إذن، لماذا تصدّت السلطات البحرينيّة «بخيلها ورجلها» وبكلّ قوةٍ لفكرة اللجان الشعبيّة في مختلف المناطق؟الجواب بسيط، ذلك أنّ الدعوة جاءت من تنظيماتٍ ثوريّة معارضة، مزعجة للنظام ومتطرّفة من وجهة نظرها، وهي لا تستمرئها البتّة، هذا من ناحية، ومن الناحية الأهمّ، لأنّ ذلك يعكس فشل دور السلطة بأجهزتها المسؤولة عن توفير الأمن للمواطن، كما هو معمولٌ به في دول العالم. إضافة إلى أنّ النظام لا يرغب في إبراز أنّ هناك استهدافًا للطائفة الشيعيّة من عناصر إرهابيّة تكفيريّة، أو من أيّ جهة أخرى، بل عمل على توظيف هذه الهواجس إلى نقاطٍ وعوامل إيجابيّةٍ يضيفها «لرصيده الفارغ»، فيما يخصّ علاقته بمكوّنات الشعب البحرينيّ، والتي أصبحت أشبه بعلاقة «طلاقٍ لا رجعة فيه»، وثقة مفقودةٍ من «جُحْر أفعى» لا أمان له.
أراد النظام الحاكم أن يُظهر للرأي العام والمجتمع الدوليّ «مساعيه الحثيثة» في القيام على أكمل وجه تجاه حماية المواطنين وتحمّل المسؤوليّة، متناسيًا جرائمه في محاربة الشعائر الدينيّة وهدمه أكثر من 38 مسجدًا للطائفة الشيعيّة، ضمن إطار حملته في وضع «المساحيق التجميليّة لصورته الباهتة القبيحة» التي انكشفت أمام العالم.. و«هذه هي البحرين.. النظام الطفوليّ المتسامح البريء»..!
كان لابدّ من دورٍ لمناصري النظام والمطبّلين لمشاريعه وتوجّهاته، فما إن بزغت فكرة اللجان الشعبيّة، حتى تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعيّ إلى منابر استغاثة بـ«يلالة الملك» و«حماة الوطن من المرتزقة والمتورّطين بأبشع الانتهاكات والجرائم، ودعواتٍ لتطبيق ما أسْمَوْه القانون»، وتأويلاتٍ طائفيّة، هدفها ضرب مشروع اللجان الشعبيّة، وربطها «بالحشد الشعبيّ» في العراق، الذي يحارب عناصر تنظيم داعش الوهابيّ، بعد سيطرته على مساحاتٍ شاسعة في العراق وسوريا، ووصف اللجان «بالميليشيات»، في تغاضٍ عن تشكيل النظام «ميليشيات بلطجة»بأمرٍ رسميّ، من المجنّسين والموالين لضرب الحراك الشعبيّ المطالب بالتحوّل الديموقراطيّ منذ فجر 14 فبراير/ شباط 2011.
وبالفعل، انتشرت العناصر الأمنيّة التابعة لوزارة الداخليّة البحرينيّة في محيط المساجد الشيعيّة بعد انفجارات السعوديّة، على الرغم من الإصرار على وجود العناصر الأهليّة للقيام بالدور الأمنيّ في تفتيش المصلّين عند مداخل الجوامع وأبوابها. «الغمندة» ليست هنا، بل كَمُنَتْ في رصد القائمين على اللجان الشعبيّة لاستدعائهم لاحقًا لمراكز الشرطة والتحقيق معهم، ورصد التظاهرات السلميّة بعد صلوات الجمعة في «بلدة الدراز» وغيرها من المناطق، والأخرى أنّ الأفراد المنتشرين في محيط الجوامع بهدف «الحماية المزعومة»، هم أنفسهم من تقدّموا «بلدوزرات» لهدم عشرات المساجد الشيعيّة في البحرين، وهم أنفسهم من أغرقوا المساجد والحسينيّات بعبوّات الغاز المسيّل للدموع، دورهم «مرتزقة» لا أكثر، سيفرّون «ساعة الجدّ»، وليس لديهم أيّ استعداد لأن يكونوا «شهداء وطنٍ لا ينتمون إليه» في قائمة وزارة الداخليّة، أو لـ«يُدندن» بصُوَرِهم في «تويتر» «موالو السلطة»، أو أن يكونوا «إخوانًا» للوزير راشد بن عبدالله آل خليفة. أمّا القسم الآخر فهم أفرادٌ من «شرطة المجتمع»، المدرّبين على «فضّ النزاعات» بين الأهالي فقط، ولم يتلقّوا أيّ دوراتٍ تدريبيّة كافية لمثل هذه الحالات، كـ«تفكيك العبوّات الناسفة، أو المتفجرات» مثلاً، أو أنه «تم تزوديهم بأجهزة لكشف العبوّات والمتفجرّات»، إضافة أنهم لا يفقهون كيفيّة التعامل مع «إرهابيٍّ مفخّخٍ بحزامٍ ناسف»، أي أنّهم وبكلّ اختصارٍ «ليسوا ذوي اختصاص»، كما زعم رئيس الأمن العام «طارق الحسن»، بل هم «أكباش فداءٍ وضحايا آخرين من المجتمع»..!
الآن وبعد انفجار الكويت، أصبحت البحرين وغيرها من الدول الخليجيّة، «قاب قوسين أو أدنى» من استهداف تنظيم داعش الإرهابيّ لأي جامعٍ أو مأتمٍ للشيعة. نعم لقد طغى حادث الانفجار في الكويت إعلاميًّا، وأعاد ذكريات «انفجاري القديح والدّمام»، اللذين لا يقلّان دمويّة عن انفجار الكويت، ليس فقط لأنّ الفاعل واحد، بل لأنّ الهمّ واحد، والهدف واحد، وليس الشيعة فقط هم المستهدفين، بل عموم «المخالفين لتنظيم داعش والكافرين به»، وما لم تكن هناك وقفة جادة من جميع أطياف المجتمعات الخليجيّة، من السياسيّين والإعلاميّين والمثقّفين والحقوقيّين وجميع النخب المجتمعيّة، فستكون «النتيجة مكلفة في المحطّات القادمة، تتخطّى أكثر بكثير من حصيلة القديح والدمام والكويت».
بالعودة لخصوصيّة الكويت كدولةٍ خليجيّة طالها انفجارٌ أودى بحياة عشرات الأبرياء ومئات المصابين؛ فهي المحطة الثانية «لتنظيم داعش» بعد السعوديّة، وهما أبرز دولتين متّهمتين خليجيًّا بتصدير العناصر التكفيريّة وتمويلها، ومباركة العمليّات الإرهابيّة منذ «هبوب أولى نسمات ما عُرف بالربيع العربيّ». وقد أثبتت عدّة دراساتٍ وتقارير دوليّة، تورّط رجالِ أعمالٍ وشخصيّاتٍ دينيّةٍ ودبلوماسيّة بتمويل العناصر التكفيريّة، وتبنّي خطاباتٍ تحريضيّةٍ علنيّة في تجمّعاتٍ شعبيّة للتباهي «بانتصاراتٍ مزعومة»، لمن أسموهم بـ«المجاهدين» ضدّ نظام الرئيس السوريّ بشّار الأسد، أو حملات جمع تبرعات ماليّةٍ «لتجهيز غازٍ»، دون أن تردعهم الجهات الرسميّة المسؤولة عن هذه الممارسات أو تضعهم أمام المساءلة القانونيّة، وذلك لا يُخرج هذه الجهات من «دائرة الاتّهام»، باستغلالها هذه العناصر لضرب أيّ حراكٍ مناوئٍ يطالب بالتحوّل الديموقراطيّ، سواء كان في الكويت أو السعوديّة أو أيّ دولةٍ خليجيّة بشكلٍ عام، والبحرين بشكلٍ خاصّ، حيث لم يكن خافيًا مدى استفادة السلطة من «ميليشيات تكفيريّة» من المرتزقة والمُجنّسين في الرفاع أو المحرّق، في جامعة البحرين، أو مجمّع السلمانيّة الطبّي، وعموم مناطق البحرين.
بعد «وقوع الفأس في الرأس»، وانفلات «عِقال الأمور»، فقدت حكومات الخليج عامّة سيطرتها الكاملة على هذه العناصر، والبحرين خاصّة، ولن يُجدي أي خطابٍ يتبنّاه رموز الحكم، أو أي دعوةٍ «مزعومة لرصّ الصفّ الوطنيّ»، فهي «دعاوى كاذبةٍ» تحمل في طياتها أجندة رسميّةٍ لن تنطلي على عقول أبناء الشارع البحرينيّ، الذي فقد الثقة في هذه السلطة، وقد بدا ذلك واضحًا في خطاب رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة من مجلس ابنه علي بن خليفة الرمضانيّ.
خليفة بن سلمان أحد «أبرز الرعاة لبلطجيّة المحرّق» في فترة السلامة الوطنيّة في مارس/ آذار 2011، والذي بارك التجمّع الطائفيّ في «منطقة البسيتين» فيما عُرف بـ«ساحة الشرفاء»، التي قادها «النائب السلفيّ السابق المتطرّف محمد خالد» و«عقيد التعذيب عادل فليفل»، المعروف بدعمه لتنظيم داعش الإرهابيّ وفكره المتطرّف، أو مراسل قناة العربيّة المرتزق محمد العرب، وغيرهم من «الأبطال الورقيّين». من مجلس ابنه أطلق خليفة بن سلمان نكتة قميئة، تفوح منها رائحة الكراهية، لا الوحدة الوطنيّة. فمن يصدّق أنّ خليفة بن سلمان آل خليفة، الراقص «للبلطجيّة المتطرّفة»، يدعو لليقظة والحذر من الإرهاب والتطرّف؟ وهو رئيس وزارةٍ متطرّفةٍ بثّت الإرهاب في نفوس المواطنين على مدى عقود..! وزارة الداخليّة والدفاع، البيئة الحاضنة لعناصر تكفيريّة انشقوا من المؤسّسة العسكريّة لينظمّوا مقاتلين في صفوف تنظيم داعش الإرهابيّ..! «حليمة لا تترك عادتها القديمة»، فلا بدّ من تصريحٍ لخليفة بن سلمان يحذّر فيه من «أعداء الوطن المترّبصين للإطاحة به بعد أكثر من أربعة عقود»، تربّع فيها على عرش رئاسة الوزراء، والذي «أبى ألّا يفارقه إلا على نعشه»..! كما أنّها فرصة ممتازة لوليّ العهد سلمان بن حمد آل خليفة، هو الآخر، لإطلاق تصريحٍ يدعو للسلام، ومواجهة الأفكار المتطرّفة، ووحدة الكلمة..!
مع سخونة المشهد السياسيّ في المنطقة، لا زال النظام الحاكم في البحرين «يدسُّ رأسه في الرمال» كالنعامة، هربًا من الاعتراف بأنّه صار وشيكًا من تحدّياتٍ صعبةٍ ستتمكن من «رقبته الطويلة» في أي «لحظة مباغتة»، تحدّياتٍ صنعها بنفسه وانفلتت خيوط تحريكها من يده، وسيستمرّ في الهروب للأمام من استحقاقات المطالب الشعبيّة، للإفلات من المحاكمة، والقصاص لدماء الشهداء وآهات المُعذبين خلف قضبانه. نظامٌ يرقص على عذابات شعبه وجراحاته بفوضى عارمةٍ، وبأوراقٍ خسر بها كلّ رهاناته، سواء كانت ورقة الحوار، أو الأعيان، أو «حملات العلاقات العامّة بقيادةِ مهرّجين خارجين عن النَّص، وهم يتقرّبون إلى الله بتراتيل يهوديّة»..!
خالص التعازي لذوي الشهداء في «القديح والدمام والكويت»، وإشادة كبيرة بدور «أمير الكويت»، الذي «واكب الحدث لحظة بلحظة، وحضر موقع الحادث الإرهابيّ، ومجلس التعزية بكلّ تواضعٍ وتنازلٍ وأبويّة».. والخزي والعار سيلحق من قدّم «تعزية جوفاء» على شاشة تلفازه المحرّض على الكراهية والبغضاء بكلّ استعلاءٍ وكراهية عدائيّة.. فالتعازي مرفوضةٌ من ملكٍ قَتلَت مرتزقته العسكريّة أول شهداء ثورة 14 فبراير.. ومرفوضةٌ من ملك ينادي شعبه بسقوطه.. منذ أربع سنوات..!