منامة بوست (خاص): «إضراب الإباء»، ثلاثة أيّام مرّت على البحرين، جدّدت فيها العهد بمواصلة ثورة بدأت قبل أربعة أعوام، مدن البلاد وقراها عجّت بالحراك الكثيف في الساحات والشوارع والأزقّة، الكلّ مشارك، حتى المحلّات والباعة لم يكونوا بمنأى عن المشاركة الفعّالة في الذكرى السنويّة لثورة شعب غاضب، حيث عمدت المحال إلى إقفال أبوابها إضرابًا عن العمل تضامنًا مع الناس في آلامهم وآمالهم.
«مدينة المحرّق» تماوجت بالحراك كالبورصة، تارةً تشتعل وتارةً تهدأ، وما بين التارتين يقبع المرتزقة في توتّر شديد، حيث انطلق شباب هذه المدينة العريقة منذ صباح الثاني عشر من الشهر الجاري، وأغلقوا الطرقات وفتحوا صدورهم لكلّ المخاطر المحتملة، وفعلا كان الجرحى تترى تزفّ إلى البيوت للعلاج، بينما يقف بعضهم بجرحه مواصلًا اشتباكه الأعزل مع مرتزقة النظام المدجّجة بالسلاح، والأخطر؛ المدججة بالضمائر الميتة.
في «المنامة» راح الشباب يضخّون الحياة في الشوارع أكثر ممّا هي عليه، بينما همدت المحال وسكنت البيوت، وقلّت النزهات، فأيّام الثورة لها صحوة من نوع الزئير الذي أقلق «القلعة/ وزارة الداخليّة»، وظلّ مرتزقة النظام يرابطون الجدران شاهرين أسلحتهم نحو الشارع، تحسّبًا لمجيء ثائر من هنا أو ثائر من هناك. وكانت الشوارع مغلقة بالأحجار والإسمنت، بينما القلوب مكتظّة بالجراح التي نزفت من دم الشهداء، فجعلت الاشتباكات بين الشباب الأعزل والمرتزقة على أشدّها، ورغم سقوط الجرحى بكثرة في المنامة، فإنّ المواجهات لم تهدأ أبدًا، ما اضطرّ المرتزقة لاستخدام السيّارات رباعية الدفع كسلاح ضدّ الشباب الصامد.
«شارع البديّع» صدح بشعار: «الشعب يريد إسقاط النظام»، هو الشعار ذاته المعلّق على منصّة الدوّار في فبراير/ شباط 2011، أمّا في «بني جمرة» فقد خرج الرجال والنساء في اليومين الماضيين بالهتافات الثوريّة مساندة للشباب الثوّار الذين ما إن يصل المرتزقة، حتى ينفردوا بهم وتتم المواجهة الحامية، مواجهة ثقافة الحقوق مع ثقافة الغزو، والتي لم تنفكّ عن شوارع هذه القرية منذ انطلاق الثورة قبل أربعة أعوام، لكنّها اشتدّت هذين اليومين.
وفي «الدراز» كان المرتزقة على موعد مع سواعد الثوار، التي حملت الحجارة، فكان سلاحها في وجه جنود مدرّبين على القمع، مزوّدين بالسلاح الانشطاريّ المحرّم دوليًّا، ورغم هذا فقد أظهرت بعض المقاطع المصوّرة هروب المرتزقة من أزقّة «الدراز» خوفًا من عزّة الثوّار.
ثوّار «كرّانة» قاموا بسدّ الطرقات بالحجارة والحديد، وتواجهوا مع المرتزقة التي هرعت لقمعهم، لكنّهم ظلّوا لساعات طويلة مرابطين في الشوارع، تأكيدًا على تسجيل رسائل ميدانيّة في ذكرى ثورتهم.
هكذا تمامًا بدت «دمستان وكرزكان»، فرغم الغازات التي عمّت القريتين، ولوّثت أجواءهما، فإنّ الشباب لم ينثن عن مواصلة بقائه في الطرقات كدلالة شديدة على الاحتجاج، وكان شعار «يسقط حمد» ينطلق بين حين وحين في القريتين بصوت غاضب يحمل في دلالاته الإصرار والبقاء على المطالب.
ولـ«جزيرة سترة» صوتها الثوريّ المتميّز في عطائه وشدّة بذله، حيث إنّ الاستنفار الأمنيّ في اليومين الماضيين في هذه الجزيرة بلغ الذروة، فقد جابت عشرات السيّارات الأمنيّة شوارع المنطقة ليل نهار، والسبب كان الحراك الثوريّ الكثيف من قبل شبابها، الذين أزعجوا النظام بمواجهاتهم كمًّا وكيفًا.
أكثر من مدينة وقرية انطلقت تسجّل دورها الثوريّ في التطلّع للتغيير، وهذا ما واكبه عدد من الرموز والشخصيّات، حيث حثّ «الشيخ عيسى قاسم» و«السيّد عبدالله الغريفي» في بيان لهما بهذه المناسبة على مواصلة الحراك، وأكّدا على أنّ النصر حليف المظلومين، فيما شدّد «السيّد مرتضى السندي» على رصّ الصفوف والتآزر للوقوف في وجه الطاغوت حسب تعبيره. وفي كلمة له في مدينة قم الإيرانيّة قال القيادي في تيّار العمل الإسلامي «الشيخ عبدالله الصالح» أنّ التوكّل والاحتساب والإرادة والثبات عناصر نصر، وهي موجودة في شعب البحرين، والنصر حليف هذا الشعب، حسبما عبر. أمّا الناطق باسم حركة حقّ «عبد الغنيّ خنجر» فأصرّ على ألّا يحدث تخوين بين مكوّنات المعارضة مهما اختلفت سقوفها، مؤكّدًا على ضرورة الالتقاء في المساحات المشتركة.
«الشيخ محسن الأراكي» الاسم الحاضر دائمًا في مناصرة الشعب البحرينيّ، أصدر بيانًا قال فيه إنّ الثورة تمشي في طريق صحيح، وأنّ الانتصار يحتاج للصبر والثبات.
المعارضة في الخارج لم تقف مكتوفة الأيدي، إذ نظّمت في لندن عددًا من الفعاليّات المهمّة، من ضمنها ندوة في مجلس اللوردات، وندوة في دار الحكمة، واعتصام أمام السفارة البحرينيّة في المملكة المتحدة.
كما نظّمت في برلين معرضًا للصور تبيّن فيه مظلوميّة الشعب، وأقامت الجالية البحرينيّة في ألمانيا عددًا من الاعتصامات أمام السفارة البحرينيّة هناك.
في الذكرى الرابعة لثورة البحرين، أكّد الحراك الثوريّ في أيام «إضراب الإباء» الثلاثة «12 و13 و 14 فبراير/ شباط الجاري» حقيقة واحدة: «أنّ الشعب لن يسكن أو يستكين، وأنّ ثمن الدم عنده أهون من ثمن العبوديّة».