منامة بوست (خاص): رغم تقاطر البيانات المندّدة على اعتقال الشيخ علي سلمان في الأيام الستّة المنصرمة من قبل منظّمات دوليّة ومؤسّسات حقوقيّة وثقافيّة وسياسيّة من مختلف دول العالم، فإنّ المواقف الدوليّة الأكثر تأثيراً على قرار النظام الخليفيّ كانت خجولة، فواشنطن أبدت قلقًا إزاء هذا الحدث، فيما لزمت بريطانيا الصمت، والأخيرة متّهمة بشكل كبير بإعطاء الضوء الأخضر لاعتقال سلمان. وقد تنامى الحنق الشعبيّ في البحرين ضدّ لندن إزاء هذا الموقف الفاقع في ترجيح ديكتاتوريّة النظام على كفّة الشعب المطالب بحقوقه المكفولة في الشرعة الدوليّة حقوقيًّا وسياسيًّا.
مع كلّ تلك الخضّة التي عصفت بالبحرين، فإنّ من المتوقّع، وحسب عدد من المعطيات، بأن تطيل السلطة بقاء الشيخ علي في السجن لإخضاع المعارضة لشروط تسوية مذلّة، يعلو فيها نفوذ الحاكم على النفوذ الشعبيّ، في صيرورة ديمقراطيّة شكليّة لا تتقدّم بالبلاد خطوة واحدة إلى الأمام.
والسؤال المطروح: ماذا لو صدر حكم قاسٍ يبقي الشيخ علي سلمان مدّة طويلة في السجن؟ كيف ستتصرّف المعارضة؟ وهل من الممكن أن تتفجّر ثورة شعبيّة على غرار ثورة الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011؟ أم أنّ الأمور ستتجّه للتهدئة ويستعاض بشخصيّة وفاقيّة ما لإدارة الجمعيّة على غرار ما حدث في جمعيّة وعد، حيث قام رضي الموسوي مقام الأمين العام للجمعيّة في انتظار انقضاء خمس سنوات- بدأت من مارس/ آذار 2011- تمثّل محكوميّة أمين عام الجمعيّة إبراهيم شريف.
هذه الأسئلة مستوحاة من نقاشات محتدمة بين النخبة السياسيّة من مختلف الأطياف، سواء في وسائل التواصل الاجتماعيّ، أو في المجموعات الإلكترونيّة المغلقة، وهي أسئلة باتت تمثّل عصفًا فكريًّا لتلك النخب، بغية التعامل مع الوضع المتأزّم بشكل يوازن بين حجم معقول ومناسب من ردّة الفعل إزاء تصعيد الحكومة من جهة، والتعقّل المطلوب لئلا تذهب البلاد إلى أتون نارٍ مستعرّة من جهة ثانية، تكون فيها الغلبة لمن يملك الذراع العسكريّة الأكثر طولًا.
في هذا السياق، دعا الدكتور فوّاز جرجس في برنامج ما وراء الخبر على قناة الجزيرة يوم السبت الثالث من يناير/ كانون الثاني 2015، الحكومة البحرينيّة إلى الخروج من هذا الوضع بالاستماع لمطالب شعبها، وقال جرجس وهو باحث أكاديميّ في جامعة لندن أنّ التصعيد في البحرين يجرّ إلى تصعيد في منطقة الشرق الأوسط وليس فقط في البحرين، وبحسب جرجس فإنّ هذا التداعي المتوقّع على المنطقة هو سبب القلق الأمريكيّ على موضوع اعتقال سلمان.
الموقف الإيرانيّ والعراقيّ يمثّل من وجهة نظر مجلس التعاون الخليجيّ، الموقف المتشدّد الذي لا بدّ من رفضه، بل تعدّى ذلك إلى رفض الجامعة العربيّة للتدخّلات الخارجيّة، على إثر تصريحات مساعد وزير الخارجيّة الإيرانيّ أمير عبداللهيان حينما قال: اعتقال الشيخ علي سلمان له تداعيات ثقيلة لا تستطيع حكومة البحرين تحمّلها.
وعودًا إلى ردود الفعل الداخليّة، فمع كثافة التظاهرات التي خرجت منذ اعتقال أمين عام جمعيّة الوفاق، لا يرى الكثير- سواء من النخب أو من الشباب الثوريّ- أنّ ذلك كافٍ للضغط على النظام الخليفيّ، ولا سيّما أنّ بريطانيا تدعم خطوة التصعيد الحكوميّة، ومؤشّر ذلك صمتها.
لذلك، سارع تيّار الوفاء الإسلاميّ– وهو تيّار أسّسه الأستاذ عبدالوهاب حسين عام 2009- إلى إصدار بيان يدعو إلى التظاهر ضدّ بريطانيا وإظهار الغضب الشعبيّ تجاه لندن.
ولا تزال المداولات الشعبيّة بشأن «ماذا ينبغي أن نفعل؟» جارية لحدّ كتابة هذه السطور، كون اعتقال الشيخ علي سلمان لا يهدّد شخص أمين عام الوفاق فحسب، بل هو مؤشر خطير على ضوء أخضر دوليّ لتجاوز الخطوط الحمراء، حتى أنّ البعض خشي من أن يكون هذا الاعتقال مقدّمة لاستهداف رموز كبار كالشيخ عيسى قاسم «أكبر مرجعيّة سياسيّة في البلاد».
حركة حقّ أصدرت يوم أمس الثالث من يناير/ كانون الثاني بيانًا قالت فيه أنّ لديها معلومات تؤكّد على إطالة أمد اعتقال سلمان، بل وحلّ جمعيّة الوفاق، ولم تكشف الحركة عن مصدر المعلومة، بيد أنّها أثارت جدلًا و«تخوّفًا» إزاء القادم من الأيّام.
يبقى أنّ قياس ردود الفعل الشعبيّة هي الفيصل في التأثير، بمعنى؛ إذا استطاع النظام الخليفيّ توقّع ردود الأفعال الشعبية، فإنّ ذلك يعني أنّ أيّ خطوة يقوم بها ستكون محسوبة وفق ردّة الفعل المتوقّعة والمحسوبة، كما أنّ ردود الفعل الشعبيّة التي تكون خارج حسابات السلطة هي المؤثرة حتماً، وهذا النوع من الفهم هو مسلم به في علم إدارة الصراع، وهو المستخدم في الفعل السياسيّ والعسكريّ إزاء العدوّ الذي يمتلك قوة أكبر من القوى الشعبيّة، التي تكون في الغالب أضعف حالًا من حيث العلاقات الجيواستراتجيّة وأضعف إمكانيّة من الناحية العسكريّة والعملياتيّة. وهذه الفكرة المفهوميّة طرحت في إحدى المجموعات المغلقة التي تضمّ نخبة سياسيّة من أطياف متعدّدة، لكنّها لم تشفّع بمصداق عمليّ يمكن عكسه في حراك الشارع. ولا تزال الأسئلة معلّقة، لكنّ الأكيد أنّ البحرين دخلت منعطفًا جديدًا يفرض تحديّات جديدة وكبيرة.