منامة بوست (خاص): من يتابع أفلام السينما الأمريكيّة، وهي بالآلاف، ولا سيّما أفلام الجاسوسيّة، أو «الأكشن»، أو التي تبرز «صراع أمريكا مع أعدائها» ولعبة «العملاء المزدوجين»، أو التي تصوّر الإنجازات العسكريّة الأمريكيّة في حربها على «الشيوعيّة أو الإرهاب»، وغيرها من القصص التي «تُجمّل تضاريس خارطة الأهداف الأمريكيّة الساعية للسلام وإحقاق الديموقراطيّة واحترام حقوق الإنسان في العالم»، من زاويتها السياسيّة والعسكريّة والإعلاميّة، ويتمعّن في هذه الأعمال بدقّة، سيجد أنّ هناك رسالة واحدة مشتركة ترغب الإدارة الأمريكيّة في بثّها للعالم، وعلى مدى عشرات السنين، وهي أنّها «دولة تحمل رسالة سامية»، لكنّها «مسكينةٌ مستهدفة من الكثير من الأعداء، رغم حُبّها للصداقة والسلام العالميّ»، وأعداؤها إمّا من الفضاء الخارجيّ، أو من مختلف أصقاع الأرض، سواء كانت «روسيا أو فيتنام أو أفغانستان أو كوريا أو الصين أو إيران»، أو أيّ دولة تتوقّف عندها «كرة دولاب روليت البيت الأبيض، أو نرد البوكر في البنتاغون، هكذا هي قواعد ألعاب القمار في أمريكا».
كثيرٌ من هذه الأفلام أنجزها مُخرجون مناهضون للسياسة الأمريكيّة، فضحوا بها «المقامرة الأمريكيّة الخاسرة»، وكشفوا خطوات «تعويض خسائر هذه المقامرات»، وأبرزوا «التضاريس الوعرة» في الخارطة الأمريكيّة العالميّة. على سبيل المثال، الفيلم الشهير «الماحي – Eraser – 1996»، والذي يدور حول تورّط أحد أعضاء فريق المارشال الأمريكيّ ومسؤولين أمريكيّين فاسدين في صفقة تسليح تجاريّة مع المافيا الروسيّة، وبعد مغادرة قاعة المحكمة، اعتبر الممثّل «جيمس كان» في تصريحه للصحفيّين «أنّ صفقتهم ليست خيانة وطنيّة، بل إنّه رجل أعمالٍ جاد أراد دعم اقتصاد بلاده، ولو من خلال تحالفٍ مع جهة يُفترض أن تكون معادية لأمريكا، وأنّ هذه الصفقة قد تُسهم في تعويض بلاده ما خسرته في حرب الخليج».
«فزّاعة العداء لأمريكا»، لا يمكن أن تكون حقيقة مُقنعة، دون «مُهرّجين يحيطون بـ«دولاب الروليت، ويخضعون لحُكم أرقام نرد البوكر». ولكلّ مرحلةٍ ما تقتضيه في كيفيّة «اللعب مع الخصوم»، حتى ولو كانوا «أشباحًا»، صنعتهم الإرادة الأمريكيّة، أو ما يتطلّبه «مجاراة الأصدقاء الحمقى»، لخلق عمليّة «توازن لليد التي تعمل على تدوير دولاب «الروليت»، والأخرى التي تمسك بالنرد، كي لا تخسر من جديد».
الآن وفي الوقت الحالي، وعلى ما يبدو، فإنّ الولايات المتّحدة لديها نيّة خوض «مقامرة جديدة»، فاتّهام «الخارجيّة الأمريكيّة» على موقع التواصل الاجتماعيّ «تويتر» لإيران 6 يناير/ كانون الثاني 2015، بما أسمته «زعزعة أمن واستقرار المنطقة»، وتهديد شركائهم على «طاولة القمار»، الخليجيّة تحديدًا، وتوجيه اتهامٍ مباشرٍ باستمرار«تسليح وتدريب من وصفتهم بالمتشدّدين في البحرين»، وتأكيد التزامها بالعمل مع من وصفتهم شركاءها، للتصدّي لما أسمته بالأعمال العدائيّة لإيران، ونشاطاتها التي تهدّد أمن شركائها. فماذا يعني ذلك؟
ولنبدأ من جديد، عند نقطة اعتقال أمين عام جمعيّة الوفاق المعارضة، الشيخ علي سلمان، والذي قالها بوضوح في المؤتمر العام للجمعيّة، 26 ديسمبر/ كانون الأوّل 2014، «لقد عُرضت على المعارضة البحرينيّة أن تنهج نهج المعارضة السوريّة وأن تحوّل البلد إلى معركة عسكريّة لكن، ثبات هذه المعارضة على هذه السلميّة ووضوح رؤيتها هو العنصر الأساسي الذي حافط على البحرين بعيدًا عن الانجرار إلى العنف»، فقط، هذه هي «الجريمة الكبرى» لأمين عام الوفاق، كما أنّها «الورقة الرابحة» للنظام و«القبّعة المناسبة لفزّاعة العداء لأمريكا أو أعداء من تسمّيهم شركائها». ما علاقة هذا باتهام الخارجيّة الأمريكيّة؟
هذا الاتهام جاء في سياق الردّ على سؤالٍ طرحه أحد المغرّدين المناهض لنظام الرئيس السوريّ بشار الأسد، بطريقةٍ مستفزّة، والذي جاء كالتالي، «المتابعين السياسيّين والإعلاميّين يتهمونكم بالتنسيق مع إيران، لدعم الفوضى في البحرين، عن طريق شعارات باتت مستهلكة.. ما تعليقكم؟».. من يكون هذا المُغرّد لتردّ عليه الخارجيّة الأمريكيّة بهذه الاتهامات علنًا؟ وما الرسالة المراد إيصالها سواء كان لإيران أو لحراك 14 فبراير؟
المسألة قد تكون واضحة بشكلٍ جزئيّ حاليًا، ومع الوقت ستتّضح بقيّة مفردات السيناريو الأمريكيّ الجديد، بعد خسارتها التي مُنيت بها في «مقامرتها» ضدّ نظام الرئيس السوريّ بشار الأسد قبل أربع سنوات، على الرغم من تسليحها الجماعات المُسلّحة ضدّه، بمن فيهم تنظيم «داعش الإرهابيّ ذي الفكر السلفيّ التكفيريّ» في مساحاتٍ شاسعةٍ في سورية والعراق، و«اقتطاف رأس رئيس الوزراء العراقيّ الأسبق نوري المالكي، كصفقةٍ بديلةٍ عن الإطاحة بـ«رأس بشار الأسد»، علّ ذلك شفى جزءًا من «الغليل الأمريكيّ». الآن بات تصريح الشيخ علي سلمان حجّة مقبولة للتدخّل الأمريكيّ لحماية من أسمتهم شركاءها في المنطقة، سيّما أنّ اعتقاله رافقهُ صمتٍ مطبق من واشنطن، واتهاماتٍ من أطرافٍ في المعارضة للجانب البريطانيّ، وتحميل السفير البريطانيّ في المنامة «إيان لينزي»، جزءًا من مسؤوليّة جرأة نظام آل خليفة في إقدامه على اعتقال سلمان، إثر الموقف المضاد لإقامة قاعدة بريطانيّة في البحرين، وبتمويل من النظام الحاكم.
كلّ هذه الخيوط المتناثرة، والممتدة من إقليم الشرق الأوسط إلى خليج عمان، تندرج تحت عناوين أمريكيّة جوفاء، «الأصدقاء والأعداء»، والأعذار السياسيّة الخبيثة لخوض حروبٍ بالوكالة أو الحروب المباشرة في المنطقة، وتحويل الحراك المطلبيّ في البحرين، إلى «ساحة تصفية حساباتٍ إقليميّة مع شبح أعداء أمريكا وشركائها». «فيلم هوليوديّ دون مُخرجٍ معارض للسياسة الأمريكيّة، وحفلة في «ملهىً ليليّ» لمهرّجين على «هيئة حُكّامٍ»، حول «طاولة البوكر الأمريكيّة»، والثمن مدفوعٌ سلفًا من دماء شعوب المنطقة، وعلى «واشنطن وشركائها الحذر من هذه الخطوة المجنونة، فهي بلا شك مقامرة خاسرة»، ويبقى الدور على «المهرّجين وأتباعهم، من أن ينجرّوا خلف من يعبدون».
بالعودة لتقرير اللجنة المستقلّة لتقصّي الحقائق والمموّلة من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وفي هذا الجانب تحديدًا، حينما وقف البروفسور الأمريكيّ من أصولٍ مصريّة، محمود شريف بسيوني، وقالها «بالفم المليان»، وأمام الملك والملأ، بأنّه «لم يثبت وجود تدخّلٍ خارجيّ أو إيرانيّ، وأكّد على شعبيّة الحراك ووطنيّته، لكنّ «عقدة الاعتراف لدى ملكٍ مغرور، تأبى شكيمته القبول بهذا الواقع، تدفعه ليُصرَّ على وجود هذا التدخّل، وتشغيل ماكينته على هذه الوتيرة»، على الرغم من تصريحات ابنه سلمان بن حمد آل خليفة لوسائل إعلاميّة، تنفي هذا التدخّل. شواهد كثيرةٍ على انتداب العائلة الخليفيّة لأطراف إيرانيّة «في جُنحِ الظلام للتدخّل لحلّ الأزمة، إلا أنّ بكاء وعويل القبيلة وجوقتها، يأتي نهارًا جهارًا، دون خجلٍ أو حياءٍ، «ولا حياء لمن تنادي».
ربما لم تسمع الخارجيّة الأمريكيّة مفردات «البروفسور بسيوني» جيّدًا فيما يخصّ هذا الجانب، لكنّنا نعلم أنّ تقرير لجنة بسيوني، كان مُزمعًا تسليمه في شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل 2011، لكنّه تأجل حتى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، ولأسبابٍ كثيرة تعلمها الخارجيّة الأمريكيّة بشكلٍ دقيق، وبإمكانها سؤال السيّد بسيوني مجددًا عن هذه الجزئيّة، فهو مواطنٌ أمريكيّ، ولها الحقّ في مخاطبته، وبما تتمتّع به الخارجيّة الأمريكيّة من قدرةٍ على التحدّث والكتابة باللغة العربيّة.
لنا الحقّ كشعب بحرينيّ في الحصول على ردٍّ من «الخارجيّة الأمريكيّة» بخصوص هذا الاتهام، ومطالبتها بتقديم الأدلّة والبراهين والتبريرات لذلك، مثلما حصل «صديقها» المنادي بحريّة سوريا، المُغرّد ««@Yahmbed ردًا على سؤاله. هو فردٌ ونحن شعب أصيلٌ ينتمي للبحرين من الجذور، شعبٌ أعزل تفرّجت عليه واشنطن وشركاؤها بصمتٍ وهو يُقتل على يد مرتزقةٍ أجنبيّة في معركةٍ أشبه بالإبادة الجماعيّة، وبحربِ تطهير عرقيّ وطائفيّ بقيادة القوّات السعوديّة، بينما ذهبت مع «شركائها» أيضًا لتسليح جماعاتٍ أجنبيّةٍ بهدف الإطاحة بنظام الرئيس السوريّ بشار الأسد، «العدوّ الأوّل لصديق الخارجيّة الأمريكيّة»، المُغرّد ««@Yahmbed. ولنا الحقّ في «رفض انتداب الاستعمار البريطانيّ من جديد في البحرين، وتأسيس قاعدة عسكريّة بأموالنا التي سرقها أحد شركاء أمريكا في المنطقة».
اتّهام الخارجيّة الأمريكيّة يفوق أن يكون تغريدة عاديّة تمرّ مرور الكرام، وهذا ما تحمله في طيّاتها، «إنّنا على أهبّة الاستعداد لحربٍ عالميةٍ ثالثةٍ في أي ساحةٍ كانت، وفي أي أرض، ضد أي حراكٍ يسعى لإسقاط شركائنا، أو زحزحتهم من الحكم، نحن من يصنع الأعداء والأصدقاء، نحن من يرمي بالنرد، نحن من يدير دولاب الروليت.. نحن المقامرون».
هوامش:
– ماذا لو قرّر العالم تسليح ثورة البحرين – محمد صادق الحسيني
-عذرًا بسيوني إيران وراء ما حدث في البحرين – شفيقة الشمّري – صحيفة البلاد البحرينية
-سلمان بن حمد آل خليفة ينفي اي تدخل إيراني في البحرين – مقابلة مع قناة العربية
-مقتطفات من تقرير بسيوني وخطاب الملك – قناة اللؤلؤة
– محمد صادق الحسيني يرد على سميرة رجب بخصوص التدخل الإيراني في البحرين – قناة الكوت الكويتية