منامة بوست (خاص): أقدمت السلطات الأمنيّة في البحرين في 4 يوليو/ تمّوز 2017 على اعتقال الناشطة الحقوقيّة إبتسام الصائغ، بعد أن داهمت قوات ملثّمة فجرًا منزلها واقتادتها إلى جهة مجهولة.
الصائغ -التي تُعد من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في البحرين- سبق أن تعرّضت للاستدعاء وتم التحقيق معها لساعات طويلة.
إبتسام الصائغ والتعذيب الوحشيّ
في مساء يوم 26 مايو/ أيّار 2017 «حضرت إبتسام الصائغ إلى مبنى جهاز الأمن الوطنيّ في المحرّق، وذلك تلبيةً لاستدعاء تلقّته في اليوم السابق -وفقًا للمدافعة- تعرّضت فيه للضرب على جميع أنحاء جسمها لمدة سبع ساعات، وتم ركلها في الرأس وفي المعدة، وتعرّضت للاعتداء اللفظي والجنسيّ من قبل المحقّقين الذين هدّدوا باغتصابها إذا لم تتوقّف عن أنشطتها في مجال حقوق الإنسان».
كانت إبتسام الصائغ معصوبة العينين وواقفة طوال فترة التحقيق، كما لجأ جهاز الأمن الوطني إلى استخدام التعذيب النفسيّ من خلال تهديدها باستهداف زوجها وأطفالها والضغط عليها لتعلن على تويتر بأنّها ستوقف عملها في مجال حقوق الإنسان وتستقيل من منظّمة سلام.
أثناء التحقيق استجوبت الصائغ عن عمل الناشطين داخل وخارج البحرين، وكذلك عن مشاركتها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في مارس/ آذار 2017، حيث تحدّثت عن الانتهاكات في البحرين.
قالت منظمة «فرونت لاين ديفيندرز»إنّ الحقوقيّة إبتسام الصائغ تعرّضت لاعتداء جنسيّ خلال التحقيق معها بمقرّ جهاز الأمن الوطنيّ يوم الجمعة في 26 مايو/ أيار 2017.
الصائغ روت لمنظمة العفو الدوليّة تفاصيل تعذيبها في مقرّ جهاز الأمن الوطنيّ، حيث قالت إنّهم قاموا بتعصيب عينيها فور وصولها، وإنّها تعرّضت في الساعات اللاحقة للضرب في كلّ مكان من جسدها، ورُكلت في المعدة وأُجبرت على الوقوف طوال مدة استجوابها تقريبًا، والتي استغرقت سبع ساعات.
وقالت الصائغ «ضربوني على أنفي وركلوني في المعدة، مع علمهم بأنّني خضعت إلى جراحة في أنفي وأنّني كنت أعاني من القولون، كنت أسمع صوت جهاز كهربائيّ بجواري، لإخافتي، أُجبرت على الوقوف طوال الوقت باسثناء عشر دقائق عندما أرادوا أن يأكلوا شيئًا.
لقد أُغمي عليّ مرّتين وقاموا بإيقاظي عبر سكب الماء البارد عليّ، أجلسوني على كرسي لبضع ثوان فقط بينما لا يزالون يستجوبونني، هدّدت باغتصاب ابنتي، وبجلب زوجي وتعذيبه وصعفه بالكهرباء، قال لي الرجال، لا أحد يستطيع حمايتك، سلبوا إنسانيّتي، وكنت فريسةً ضعيفةً لهم».
مصادر حقوقيّة ذكرت أنّ الحقوقيّة المعتقلة إبتسام الصائغ شوهدت في سجن مدينة عيسى في حالة يُرثى لها، وقالت لإحدى المعتقلات هناك «ترى ذابحيني.. افضحوهم».
بعد هذه الممارسات الوحشيّة أُدخلتإتسام الصائغ إلى المستشفى في حالة انهيار عصبيّ كامل بعد 8 ساعات من التحقيق معها من قبل جهاز الأمن الوطنيّ. لم تتوان سلطات البحرين عن استخدام الأسلوب الوحشيّ ذاته في التعامل مع الحقوقيّة إبتسام الصائغ بعد إعادة اعتقالها في الرابع من الشهر الجاري، حيث ذكر حساب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب على تويترأنّ الصائغ فقدت 11 كيلو من وزنها منذ اعتقالها،
ولا يزال وزنها في انهيار، وانحدرت نسبة السكّر وفقدت قدرتها على التركيز وتعرّضت لكسرٍ في يدها اليسرى.
إبتسام الصائغ .. إرهابية !!
وجّهت السلطات في البحرينإلى عضو منظمة سلام للديمقراطيّة وحقوق الإنسان إبتسام الصائغ تهمًا تتعلّق بالإرهاب، بحسب بيان أصدرته سفارة حكومة البحرين في العاصمة البريطانيّة لندن يوم الجمعة 14 يوليو/ تمّوز 2017.
وقال البيان إنّ الصائغ «محتجزة حاليًا وتواجه اتهامات خطيرة تتعلّق بالإرهاب، وروابط مع منظمات إرهابيّة وخلايا إرهابيّة معروفة، وإنّ التهم الموجّهة إليها لا تستند على وجهات نظرها ولا على آرائها السياسيّة».
وبعد أيام من بيان السفارة، في 18 يوليو/ تموز 2017، أمرت النيابة العامة في البحرين بتوقيف الصائغ ستة أشهر على ذمة التحقيق بزعم تورّطها في تشكيل تنظيم إرهابيّ.
قالت منظمة العفو الدوليّة إنّ قرار السلطات في البحرين بتوجيه تهم تتعلق بالإرهاب إلى إبتسام الصائغ، وهي مدافعة عن حقوق الإنسان هو بمثابة صفعة قويّة لحقوق الإنسان في البلاد.
وقالت سماح حديد-مديرة الحملات بمكتب بيروت الإقليميّ لمنظمة العفو الدوليّة- إنّ «إبتسام الصائغ سجينة رأي، وينبغي الإفراج عنها فورًا ودون قيد أو شرط.
فالجريمة الوحيدة التي ارتكبتها هي أنّها تحلّت بالشجاعة في التصدّي لسجلّ الحكومة المروّع في مجال حقوق الإنسان، ومن ثم فإنّ الحكومة البحرينية تسعى إلى ترويع الناس وإخراس المجتمع المدنيّ في البحرين بإقدامها على توجيه تهم تتعلّق بالإرهاب إلى إبتسام الصائغ بسبب نشاطها في مجال حقوق الإنسان».
وقد وجّهت نيابة الجرائم الإرهابيّة في البحرين إلى الصائغ تهمة مفادها أنّها تتخفّى خلف العمل الحقوقيّ من التواصل والتعاون مع مؤسّسة الكرامة لحقوق الإنسان، وذلك لتزويدهم بمعلومات وأخبار كاذبة ومغلوطة عن الأوضاع في البحرين للنيل من هيبتها في الخارج.
إدانات واسعة.. وآذان النظام صمّاء
دعت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة السلطات في البحرين إلى إطلاق سراح الناشطة إبتسام الصائغ التي دخلت في إضراب عن الطعام منذ 11 يوليو/ تمّوز 2017.
وقالت المتحدّثة باسم الخارجيّة الأمريكيّة هيذر نويرت إنّ الولايات المتحدة على علم بتقارير عن إضراب الصائغ عن الطعام، وحول إساءة معاملتها أثناء احتجازها في مايو/ أيار الماضي، ودعت السلطات في البحرين إلى توفير مزيد من الرعاية لها.
ودعت الخارجيّة الأمريكيّة سلطات البحرين إلى أن توفّر لها رعاية طبيّة مناسبة وتطلق سراحها، وتحقّق ثم تحاسب من تثبت عليهم مسؤوليّة ارتكاب انتهاكات ضدّها في مايو/ أيّار الماضي.
مجموعة من خبراء الأمم المتحدة أعربوا عن بالغ قلقهم إزاء الاحتجاز التعسفيّ للمدافعة البحرينيّة عن حقوق الإنسان إبتسام الصائغ وسط التقارير التي تفيد بتعرّضها للتعذيب والاعتداء الجنسيّ، وقالوا في بيان صادر عنهم في جنيف إنّها حُرمت من حقّها الأساسي في الإجراءات القانونيّة لحظة اعتقالها، ودعوا حكومة البحرين إلى التقيّد الصارم بموجب القانون الدوليّ لحقوق الإنسان، وشدّدوا على أنّ السلطات في البحرين ملزمة بالتحقيق في جميع مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضدّ الصائغ بما في ذلك التعذيب الذي تمارسه قوّات الأمن أثناء الاستجوابات ومنع تكرار حدوثها.
الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان ناشدت كل أصحاب الضمائر بفضح الانتهاكات التي يمارسها النظام في البحرين، لا سيّما تحت جنح الظلام وفي ظلّ الانشغال بصراع حكوميّ خليجيّ لا شأن للشعب به.
وقالت الشبكة إنّ حكومة البحرين تستغلّ الانشغال بالصراع الدائر بين بعض الحكومات الخليجيّة لشنّ حملة واسعة من القمع والانتهاكات ضدّ المدافعين الحقوقيين والمدافعين عن الديمقراطيّة، وصولًا لاعتقال الحقوقيّة إبتسام الصائغ بشكل غير قانونيّ بعد أسابيع قليلة من اعتقال سابق تعرّضت خلاله للتعذيب.
مركز الخليج لحقوق الإنسانحثّ السلطات في البحرين على الإفراج الفوريّ وغير المشروط عن إبتسام الصائغ والتأكّد من اتصالها بأسرتها، وضمان أنّ الصائغ وجميع المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين، قادرون على تنفيذ أنشطتهم المشروعة في مجال حقوق الإنسان دون خوف من الانتقام، ومن جميع القيود بما في ذلك المضايقات القضائيّة.
أمام هذه الدعوات الواسعة من أجل الإفراج عن إبتسام الصائغ وضمان حقّها في ممارسة أنشطتها في مجال حقوق الإنسان، لا تزال سلطات البحرين مصرّة على عدم الاستماع إلى كلّ النداءات وإلى ممارسة الكيديّة المطلقة في التعاطي مع النشطاء الحقوقيين والتضييق عليهم بشتى الأساليب، لا سيما الاعتقال والتعذيب وإجبارهم على التوقّف عن ممارسة أي نشاط حقوقيّ.
لا يزال نظام البحرين مصمّمًا على الإمعان في ممارساته بإسكات الأصوات وتكميم الأفواه، وعلى صمّ آذانه عن كلّ المطالبات وكلّ الانتقادات التي تدين إجراءاته التعسفيّة والانتقاميّة بحقّ كلّ ناشط أو مدافع عن حقوق الإنسان.
لكن الأكيد أنّ نظام البحرين لن يستطيع الصمود إلى ما لا نهاية أمام المدّ الجماهيريّ والرفض الشعبيّ الواسع لكل ممارساته الوحشيّة، خصوصًا بعدما أثبت الشعب البحرينيّ بغالبيّته العظمى القدرة الهائلة على الصمود والثبات بعد أكثر من ستّ سنوات قضاها ثائرًا ومناضلًا في الساحات والميادين، مدركًا أنّ ساعة الحسم والنصر لا بدّ آتية، ولو بعد حين.