منامة بوست (خاص): قال الرئيس الفلبينيّ رودريغو دوتيرتي إنّه مستعد لإرسال قوات عسكريّة فلبينيّة إلى بلدان الخليج إذا احتاجوا ذلك، ووجّه كلامه إلى حمد بن عيسى آل خليفة «إذا أردت أن يكون جنودنا تحت أمرك، فأنا مستعدٌ أن أُرسل لكم كتيبةً وفوجًا وشعبةً لحمايتكم».
لماذا هذا التهافت على استرضاء ديكتاتوريّات الخليج من كلّ الدول؟ وما سرّ التغييرات المفاجئة والجذريّة في مواقف العديد من الدول، ووقوفها الأعمى إلى جانب المملكة العربيّة السعوديّة وباقي دول الخليج رغم أنّ هذه الدول كانت حتى الأمس القريب تعارض هذه الأنظمة وتخالفها في مجمل المواقف والقضايا الاستراتيجيّة؟
آل سعود وسياسة شراء الدول
لا شكّ أنّ النظام السعوديّ أدرك جيدًا أنّ مشروعه في المنطقة لا يمكن أن يستمر وأن يكبر وأن يحقّق أهدافه، إلّا بجمع أكبر عددٍ من الدول حوله ودفعها جميعها إلى عدم التفكير في معارضة أي مواقف يتخذها هذا النظام، رغم إدراك هذه الدول خطورة المشروع السعوديّ وما يخبّئه للمنطقة من تدمير وتقسيم للبلدان وتدخّل في شؤونها الداخليّة، وشنّ الحروب على بعضها ومحاولة إسقاط الأنظمة في بعضها الآخر، بالإضافة إلى قمع الشعوب في بلدان أخرى.
لهذا كان الخيار الأمثل أمام النظام السعودي هو شراء الكثير من الدول عبر دفع الأموال ببذخ، وعقد مختلف الاتفاقيّات في مجال الاستثمار من أجل التأثير عليها وعدم السماح لها بالخروج عن إرادتها، ويدعم هذا الإجراء السعوديّ، قدرتها على دفع الأموال وتمويل المشاريع؛ لأنّها تملك المال الذي هو السلاح الأقوى والأكثر تأثيرًا في العالم.
فبعد اندلاع ما سُميّ الربيع العربيّ، وبعد الأزمات التي عصفت بالدول العربيّة خلال السنوات الماضية، عمل حكّام السعوديّة على التركيز بشكل أساس على محاولة السيطرة على مصر، فاستغلّوا الأزمات التي مرّت بها مصر واستغلّوا أيضًا شبه الانهيار الاقتصاديّ الذي هدّدها بعد سقوط نظام مبارك، وبعد أن سادت حالة من الانفلات الأمنيّ مختلف أنحاء البلاد.
خلال هذه الفترة، عمل آل سعود على محاولة استقطاب القيادة المصريّة الجديدة، ومحاولة اللعب على نقاط ضعفها، والتي تكمن في حالتها الاقتصاديّة المهزوزة، فكان أن دخلت السعوديّة بمشاريع عديدة، ومنحت مصر الهبات والمساعدات من أجل إبقاء الموقف المصريّ تحت العباءة السعودية، وهذا ما تمكّنت السعوديّة من تحقيقه إلى حدٍّ ما عندما أبقت الموقف المصريّ مساندًا لها في كلّ القضايا تقريبًا، في ما عدا الاختلاف الجوهريّ بشأن الأزمة السوريّة.
وكما في مصر، فإنّ الأيادي السعوديّة السوداء برزت أيضًا في السودان، حيث نجح النظام السعوديّ نجاحًا غير مسبوق في تغيير الموقف السودانيّ مئة وثمانين درجة، وتبدّلت السودان من كونها دولة لها علاقات استراتيجيّة مع الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران إلى بلدٍ يحارب كلّ المصالح الإيرانيّة، بل وقطع علاقاته الدبلوماسيّة معها بذريعة تدخّلها في المنطقة على أسسٍ طائفيّة، في تطوّرٍ كبيرٍ عَكَسَ حجم التأثير السعوديّ على حاكم السودان، وأكّد بشكلٍ لا يقبل الشكّ أنّ أموال النفط تلعب دورًا خطيرًا في شراء مواقف الدول، دون أن تفكّر هذه الدول بالنتائج الكارثية للسياسة السعوديّة في المنطقة، من خلال دعمها لكلّ الحركات الإرهابيّة والتكفيريّة، بدءًا من طالبان والقاعدة في أفغانستان وصولًا إلى تنظيم داعش الإرهابيّ وباقي الحركات الإرهابيّة في سوريا.
وأمثلة سياسة النظام السعوديّ الوهّابي كثيرة، ولم تقف عند حدود مصر والسودان، فالمغرب الذي كان أول من تأثّر بالسياسة السعوديّة وقطع علاقاته مع إيران بالذرائع والأسباب الكاذبة نفسها، الاتهامات نفسها التي لا تستند إلى أي دليل، وعبر اتهام إيران بالقيام بنشاطات تسيء للمقوّمات الدينيّة الجوهريّة للمملكة وتمسّ بعقيدة الشعب المغربيّ ومذهبه السنيّ، فقط استجابةً للمال السعوديّ المدمّر والكارثيّ، وهنا تكون المواقف جاهزة وحاضرة من أجل الإعلان عن الولاء الأعمى لسلاطين الجور في مملكة الإرهاب.
الأردن أيضًا كان له نصيبٌ وافر من »السخاء السعودي«؛ حيث يسارع المسؤولون في الأردن إلى محاولة استرضاء حكّام السعوديّة من خلال إطلاقهم التصريحات اليوميّة التي تهاجم إيران، وتنتقد ما يقولون بأنّه دورٌ لها في التدخّل بالشؤون الداخليّة للدول العربيّة.
هذه المحاولات السعوديّة لجذب الدول إلى محورها لم تقتصر على الدول العربيّة فحسب، وإنّما تعدّى الأمر محاولتها الذهاب أبعد من ذلك، عبر تمتين علاقاتها مع باكستان النوويّة، والتغلغل فيها بشكل كبير، ومدّها بأموال النفط وتقديم المساعدات الضخمة لها، وهذا أيضًا من أجل شراء الموقف الباكستانيّ غير المعادي لإيران، ومحاولة كسب هذا البلد الكبير في دعم مشاريعها التقسيميّة الخطيرة. دول جنوب شرق آسيا كان لها حصّة أيضًا من نفط آل سعود وبذخهم، وما الجولة الآسيويّة الأخيرة لملك السعوديّة سلمان بن عبد العزيز إلا تعبيرٌ واضحٌ عن المنهج السعوديّ في استثمار أموال النفط من أجل التأثير في قرارات الدول وتغيير مواقفها جذريًا.
الجامعة العربيّة ومنظّمة التعاون الإسلاميّ .. عبيدُ آل سعود
استطاع النظام الوهّابي السعوديّ أيضًا، أن يسيطر على الجامعة العربيّة ومنظّمة التعاون الإسلاميّ، حيث تحوّلتا إلى أداةٍ بيد العصابة الحاكمة في السعودية، فعمدت إلى التأثير على الجامعة العربيّة من أجل تجميد عضويّة سوريا فيها، والسيطرة على كلّ قرارات الجامعة، وعملت على استقطاب دول منظّمة التعاون الإسلاميّ وحشدها في مواجهة إيران وإدانتها.
الفلبّين .. مرتزقةٌ تحت الطلب
بالعودة إلى الرئيس الفلبّينيّ رودريغو دوتيرتي، الذي حاول من خلال تصريحاته -خلال جولته الخليجيّة- تقديم أوراق اعتماده للسعوديّة وباقي دول الخليج، من خلال إعرابه عن استعداده لإرسال قوّات عسكريّة إلى بلدان الخليج لحماية الأنظمة فيها.
فرئيس هذا البلد الآسيويّ -الحليف للولايات المتحدة الأمريكيّة- يمنّي النفس بالحصول على »مكرمةٍ ملكيّة«، أسوةً بغيره من الحكام الذين اشترت السعوديّة ذممهم وغيّرت من مواقفهم وعلاقاتهم مع الدول.
ولأن دوتيرتي يدرك أنّ النظام البحرينيّ يواجه معركة تهدّد بسقوطه، أمام الحراك الثوريّ الواسع، وأمام المعارضة الكبيرة التي يواجهها من الغالبية العظمى من الشعب، فإنّه طرح إرسال مرتزقته إلى البحرين من أجل المساعدة في حماية النظام المستبدّ وقمع الشعب، طمعًا بمقابلٍ سخيّ، وتعبيرًا عن الامتنان لهذه الدول لتوفيرها فرص العمل لمواطنيه في البحرين، وحرمان أبناء الشعب الأصليين من هذه الفرص.