منامة بوست: نظّم منتدى البحرين لحقوق الإنسان ندوةً بعنوان «واقع الحقوق الثقافيّة في البحرين»، للتأكيد على أهميّة الحقّ الثقافيّ الذي نصّت عليه الصّكوك الدوليّة، لما يكرّسه من هويّة مجتمعيّة بنّاءة بعيدًا عن منطق التمييز والإقصاء.
وشارك في الندوة الكاتب والباحث «عباس المرشد»، والكاتب والنّاقد «علي الديري»، والقياديّ في الوفاق «يوسف ربيع»، والناشط السياسيّ «علي الفايز»، بإدارة الإعلاميّة اللبنانيّة «ضياء عيّاد».
وأشار الباحث البحرينيّ «عباس المرشد» إلى تأطير مفهوم الثقافة، وأكّد أنّها تشمل هويّة الفرد وعاداته، وأنّ الجماعة الحاكمة لا تعترف بثقافة الآخر، بما يسبّب حالةً من الصّراع، فتمارس الإقصاء والتّهميش والازدراء، ما يدفع هذا الآخر إلى التّحرّك للدّفاع عن ثقافته، إذ أنّ الحقوق الثقافيّة تعكس خصوصيّة المجتمع وتمايزه.
وأكّد «المرشد» أنّ ثقافة السّكان الأصليين في البحرين تعاني من تهميشٍ ممنهج، تمارسه الثقافة المسيطرة إلى حدٍّ يرقى إلى منطق الاحتلال والتّجاهل، وليس منطق الدّولة والمواطنة، وأشار إلى المؤتمر الذي عُقد بحجّة دراسة تاريخ البحرين في ديسمبر/ كانون الأول 1983، ولفت إلى أنّ الهدف الحقيقيّ منه كان اختلاق تاريخٍ جديد، ينسجم مع مصالح الحكم ويطمس ما يخالفها من حقائق، خاصّة وأنّه تزامن مع الذّكرى المئتين لسيطرة بيت الحكم على البلاد.
وأضاف أنّ المؤتمر كرّس إبادة ثقافيّة تلاها تصفية للمناهج التعليميّة، من كلّ ما يؤكّد أصالة الوجود الشيعيّ وأعلامِه وفقهائه، وتطهير الإعلام من كلّ ما يشير إلى الهويّة الأصيلة للبلاد، كما جرى العمل على طمس اللهجة المحليّة وازدرائها في المسلسلات.
ولفت إلى العرائض التي رُفعت إلى الإدارة البريطانيّة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1922، والتي أشار السّكّان فيها إلى الإضطهاد الثقافيّ، حيث سلبت العائلة الحاكمة حقوقهم ومقدّراتهم وجعلتهم عبيدًا، كما أجبرتهم على العمل خلال مناسبتين دينيّتين هما تاسوعاء وعاشوراء، ومن يخالف تُفرض عليه ضريبة.
وأكّد أنّ الإدارة البريطانيّة ساعدت الحاكم في الثلاثينيات، على مصادرة «مسجد الخميس» الذي خرّج فقهاء شيعة، ومن ثمّ استهدافه تمامًا كما يحدث لمسجد «صعصعة» اليوم، وأنّ الحراك السياسي تاريخيًّا مرتبط بالاضطهاد الثقافيّ ومحاربة السّرديات السّائدة.
وقال إنّ الاستيلاء على الأوقاف الجعفريّة يأتي في سياق الحرب الثقافيّة، التي يمارسها النّظام اليوم لطمس الهويّة الثقافيّة للبلاد، بهدف التدخّل في شؤون المآتم والخطباء والرقابة الصّارمة عليها، وهو تحكّم بثقافة السكّان وبهويّتهم، وذلك جزء من حالة اللااعتراف التي يمارسها الحكم.
وأضاف أنّ الكتاب الرسميّ يُدرّس تاريخًا مستفزًا للجماعات الثقافيّة، ويحرّف مرتكزاتها الطائفيّة، كما ينتهج الإعلام الرسميّ سياسة تخريب الهويّة الثقافيّة للبلاد، والتعدّي على الثقافة الأصيلة تماشيًّا مع مصالح الغرب، وذلك يؤكّد تورّط هذه القوى الكبرى في دعم سياسة الحكم الإقصائيّة.
وأشار إلى أنّ هدف إظهار البحرين كبلدٍ تعدّديّ لطمس الهويّة المجتمعيّة الأصيلة وتسفيه خياراتها وقناعتها، بما يتقاطع مع أهداف التجنيس السياسيّ، وأن سبيل المواجهة هو بنزع الاعتراف رغم كلّ الممارسات الاقصائيّة – حسب تعبيره.
وقال النّاقد البحرينيّ «علي الديري» إنّ «بحارنة المحمّرة» خاضوا ولا زالوا تحدّيات ثقافيّة متعدّدة، وقد تعرّضوا للتنكيل والاضطهاد الثقافيّ واللغويّ، رغم اتسامهم بالانفتاح والتّسامح وتحلّيهم بالمرونة الثقافيّة، وأكّد أنّ هذه المجموعة الثقافيّة واجهت غربة ثقافيّة واضحة، وهي بحاجة إلى الاستيعاب والاعتراف بأصالتها الثقافيّة.
وأكّد الناشط السياسيّ «علي الفايز» أنّ واقع الحقوق الثقافيّة، يفتح الجرح الأكبر لشعب البحرين، والمتعلّق بما تمارسه السّلطة من محاولاتٍ لتجريده من ثقافته الأصيلة، التي تتحكّم بسلوكيّاته ومبادئه، وقال إنّ صراع شعب البحرين اليوم مرتبط بفشل العائلة بالاندماج معه وهي التي احتلت أرضه عام 1783، حيث فرضت السّخرة والسّلب والسّياسات العدوانيّة، وادّعت زورًا بأنّها «فتحت» البحرين وجعلتها إسلاميّة عربيّة – على حدّ وصفه.
وأضاف أنّ ما صدر مؤخّرًا عن أحد المنابر يعكس السيطرة الثقافيّة التي يمارسها الحكم، وما يقوم به من تسقيط للمكوّن الآخر أي الشيعة، حتى عمد مؤخّرًا إلى حذف أسماء العوائل من الوثائق الرسميّة بهدف تمزيقها وتغريبها، وأكّد أنّه بموازاة التجنيس السياسيّ، عملت السّلطة على تهجين المجتمع بهدف تغيير اللهجة والعادات والتقاليد والحدّ من حالة التدين، كما فرضت تدريس ما يخالف عقائدهم، وهي تعمل اليوم على فرض التطبيع عبر المناهج وخلق حالةٍ من التماهي مع الصّهاينة.
وأشار إلى أنّ سياسات الحكم شبيهة بما يقوم به الصّهاينة من تصفية الوجود الأصيل، عبر التجنيس والتمييز والإفقار وإشاعة البطالة وكلّ صنوف الاضطهاد التاريخيّ، وشدّد على وجوب صمود الشّعب في مطالبه المحقّة بالمشاركة في الحكم حفاظًا على هويّته، وإن لم تستجب السّلطة فلا بدّ من الانتفاضة مهما كلّفت من تضحيات، وإلّا تسيّدت واندثر وجودهم وثقافتهم.
وقال القياديّ في جمعيّة الوفاق «يوسف ربيع»، إنّ السّلطة تتعمّد التعمية على ما يمارس من تجهيلٍ واضطهادٍ ثقافيّ ممنهج بحقّ المواطنين الشّيعة، إضافة إلى طمس الهويّة التاريخيّة لمسجد «الخميس» وتحويله إلى معلمٍ سياحي، إذ قامت السّلطة بتزوير تاريخ بنائه استهدافًا للوجود الشيعيّ الأصيل، في مخالفةٍ صريحةٍ للعهدين الدوليين.
ولفت إلى أنّ النّظام عمل على طمس تاريخ المدرسة المباركيّة العلويّة ومسجد «صعصعة»، بهدف التعمية على الأسبقيّة التاريخيّة للشّيعة، وأشار إلى التحريض الرسميّ الممنهج في المناهج الدراسيّة، ما يشكّل استهدافًا واضحًا للثّقافة الأصيلة التي يتمّ تجاهلها تمامًا، بل ويتمّ تكفير الشّيعة وتسقيط عقائدهم والحطّ من وطنيّتهم في مخالفة صريحة للدستور – على حدّ وصفه.