Wednesday 23,Apr,2025 04:00

صحيفة بحرينية مستقلة

صحيفة بحرينية مستقلة

البحرين: «دولة وظيفيّة أم شريك استراتيجيّ؟.. قراءة في أدوار الدولة الصغيرة في منظومة الكبار»

منامة بوست (خاص): تقع البحرين، الدولة الصغيرة بمساحتها الكبيرة بأدوارها، في زاويةٍ ضيّقة من الخليج العربيّ، وهي رغم صغرها الجغرافيّ والديموغرافيّ، تشغل موقعًا استراتيجيًّا في التوازنات الإقليميّة والدوليّة.

منامة بوست (خاص): تقع البحرين، الدولة الصغيرة بمساحتها الكبيرة بأدوارها، في زاويةٍ ضيّقة من الخليج العربيّ، وهي رغم صغرها الجغرافيّ والديموغرافيّ، تشغل موقعًا استراتيجيًّا في التوازنات الإقليميّة والدوليّة. هذا الدور المثير يدفع العديد من المحلّلين إلى طرح سؤال مركزيّ: هل نجحت البحرين في التمسّك بسيادتها؟ أم باتت دولة وظيفيّة، أي أنّها لا تُمارس السيادة الكاملة على قراراتها، بل تؤدّي وظيفة محدّدة ضمن شبكة مصالح لقوى إقليميّة أو دوليّة؟

ما يعزّز هذا التساؤل هو موقف المعارضة البحرينيّة التي، بعكس ما تشيعه أجهزة إعلام السلطة وحلفائها، تقول إنّها «تكافح» لاسترجاع القرار الحرّ السياديّ للدولة المستقلّة في العام 1971، فالبحرين باتت منصّة مؤجّرة بالكامل.

ما معنى «الدولة الوظيفيّة»؟

المفهوم يشير إلى دول لا تمارس وظائف الدولة التقليديّة بصورة مستقلّة، بل تؤدّي أدوارًا محدّدة «أمنيّة.. اقتصاديّة.. لوجستيّة..»، غالبًا لخدمة قوى أكبر. ويُطرح هذا النموذج في حالات دول تعاني ضعف الموارد أو الهشاشة السياسيّة، ما يدفعها للارتهان إلى دعم خارجيّ مقابل حفاظها على كيانها ووجودها بدعم ممن ترتهن إليه.

البحرين عبر التاريخ: «من استعمار وظيفيّ إلى تحالف استراتيجيّ»

منذ القرن التاسع عشر، كانت البحرين مركزًا وظيفيًّا لبريطانيا، التي استخدمتها كقاعدة لوجستيّة وإداريّة لحماية طرق تجارتها نحو الهند. لم تكن السيادة الوطنيّة البحرينيّة قائمة حينها، فالقرارات الكبرى كانت تمرّ عبر المستشار البريطانيّ «تشارلز بلغريف».

عام 1971؛ أعلنت البحرين استقلالها، لكنّها لم تتحرّر من الدور الوظيفيّ، بل أعادت تشكيله. حيث بدأت في بناء نموذج اقتصاديّ طموح كمركز ماليّ وسِياحيّ، بيد أنّها بقيت تعتمد على الحماية الغربيّة لضمان الاستقرار.

مع اندلاع الثورة الإسلاميّة في إيران، ثمّ اندلاع الحرب العراقيّة – الإيرانيّة في الثمانينيّات، تسبّبت اصطفافات النظام في بروز الهاجس الأمنيّ بقوّة. البحرين من جانبها عدّت إيران الإسلاميّة تهديدًا وجوديًّا لها. والنتيجة؟ تعمّق التحالف مع الولايات المتّحدة والسعوديّة.

الأسطول الخامس.. «رمزيّة الدور الأمنيّ»

أصبحت البحرين، منذ منتصف التسعينيّات، المقرّ الدائم للأسطول الخامس الأمريكيّ، المسؤول عن أمن الخليج العربيّ ومضيق هرمز والمياه المحيطة. وجود هذا الأسطول لم يكن مجرّد اتفاق دفاعيّ، بل حوّل البحرين إلى محور أمنيّ في منظومة الأمن الغربيّ في الخليج.

وتحت مظلّة هذا التحالف، توالى إنشاء قواعد ومحطات عسكريّة متعدّدة: من قاعدة الجفير، إلى محطة الدعم اللوجستيّ، وحتى منشآت مراقبة واستخبارات غير مُعلنة. ومع الاتفاق الذي وقّعه وليّ العهد «سلمان حمد الخليفة» مع «إدارة بايدن» تحت مسمّى اتفاق التكامل الأمنيّ والازدهار بين البلدين، أُلحقت البحرين تمامًا بالاستراتيجيّة الأمريكيّة دون أيّ هامش استقلاليّة.

كما عادت بريطانيا إلى إنشاء قاعدة عسكريّة لها في ميناء سلمان، في سابقة لم تحدث منذ انسحابها من شرق السويس عام 1971، هذا فضلًا عن قاعدة مخصّصة لقوّات درع الجزيرة، وكذلك وجود قوّات إماراتيّة مكوّنة من 500 ضابط ضمن قوّات أمواج الخليج، ومكاتب أمنيّة بينها مكتب للموساد «الإسرائيليّ».

لحظة 2011: «من وظيفة إلى تحالف حتميّ»

عام 2011، ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبيّة المطالبة بإصلاحات سياسيّة، بدا واضحًا أنّ بقاء النظام في البحرين بات مرتهنًا بالدعم الخارجيّ. فقد تدخّلت «قوّات درع الجزيرة» بقيادة السعوديّة لقمع الحراك. ومنذ ذلك الحين، اتّضح البُعد الوظيفيّ أكثر: أمن النظام في البحرين لم يعد مسألة داخليّة، بل قضيّة أمن إقليميّ.

ورغم الاستقرار الظاهريّ، فإنّ كلفة هذا التحالف كانت جليّة: انكماش السيادة السياسيّة، تصاعد الاعتماد على الدعم الخليجيّ والغربيّ، وتعميق الهوّة بين الدولة والشعب.

لماذا اختار النظام في البحرين هذا الطريق؟

اتّخذ نظام الحكم في البحرين التي تقوده عائلة آل خليفة هذا القرار وهذا الطريق، بناءً على حسابات تخصّه، فعقليّة النظام تقوم على أنّ الدعم لبقاء كرسيّ الحكم يجب أن يكون من قوى خارجيّة، مستبعدًا أيّ توجّه نحو مُصالحة الشعب، وإجراء تسوية تاريخيّة مع الطائفة الشيعيّة- أكبر طائفة في البلد- تضمن له شرعيّة شعبيّة كبيرة.

صاحب القرار في البحرين، ينظر إليها على أنّها دولة صغيرة وضعيفة الموارد وتعاني حساسيّات سكّانيّة (أغلبيّة شيعيّة، حكم سُنّي)، فتواجه تحديًّا داخليًّا دائمًا. وفي ظلّ استراتيجيّة الحكم الذي حدّد عدوّه على أنّه «إيران»، فقد وجدت العائلة الحاكمة أنّ الأنسب لها هو الارتهان لتحالف أمنيّ مع السعوديّة والولايات المتحدة.

اقتصاديًّا، بعكس ما تشيعه التحليلات الاقتصاديّة السطحيّة، فإنّ البحرين ليست دولة فقيرة أبدًا، صحيح أنّها ليست دولة نفطيّة كبيرة، لكنّ مواردها ممتازة وهي تكفي تمامًا وتزيد عن حاجة شعبها القليل العدد، لكنّ نهج الاستئثار وابتلاع أغلب الثروة الوطنيّة لصالح العائلة الحاكمة والقبائل المتحالفة معها، أدّى إلى دخول البلاد في أزمات ماليّة كبرى، تقول السلطة إنّها تسبّبت بحاجة مستمرّة إلى لدعم الماليّ الخليجيّ.

منذ العام 2018، تلقّت البحرين حزمة دعم ماليّ بقيمة «عشرة مليارات دولار» من السعوديّة، الإمارات، والكويت، لضمان استقرار اقتصادها.

هذا الضعف الاقتصاديّ، مع هشاشة الشرعيّة الداخليّة للحكم، وتفكّك الجبهة الداخليّة بفعل الخيار الأمنيّ المستمرّ للنظام، جعل من الاستراتيجيّة الأمنيّة الخارجيّة أداة بقاء للعائلة الحاكمة.

الدولة الوظيفيّة.. «مكافأة أم قيد؟»

رغم أنّ وصف «الدولة الوظيفيّة» هو وصف سلبيّ بالعموم، فإنّه يحمل بعض المكاسب للعائلة الحاكمة. البحرين، رغم صغرها، أصبحت محميّة سياسيًّا، ومركزًا عسكريًّا دوليًّا، وتحظى بمكانة تفوق حجمها.

لكنّ الثمن كبير: تراجع الاستقلال في القرار، هشاشة في الداخل، وارتباط مصير الدولة بتحالفات خارجيّة.

هل يمكن الخروج من هذا النموذج؟

نظريًّا، يمكن لأيّ دولة أن تُعيد تموضعها. لكنّ البحرين تواجه عقبة كأداء هي عقليّة العائلة الحاكمة التي ترفض تمامًا خيار التصالح والتسويات وتحصين الساحة الداخليّة، ومع ضغوط الغرب بقيادة الولايات المتحدة وضغوط دول الجوار الخليجي انتهت البحرين إلى نموذج كامل لـ«الدولة الوظيفيّة»، وأصبحت منصّة عسكريّة وأمنيّة غربيّة خليجيّة قد تتعرّض للضرر في أيّ وقت، ولا سيّما مع توسيع الهوّة بين الحكم والشعب.


رابط المختصر : manamapost.com/?p=2019150867


المواضیع ذات الصلة


  • وكالة رويترز: «إيران تحذّر الدول المستضيفة لقواعد عسكريّة أمريكيّة من مغبّة أي عُدوانٍ على إيران من أراضيها»
  • السُلطات البحرينيّة «تمنع المواطنين الشّيعة من أداء صلاة الجُمعة بعد تقديمها مشروع التّعايش السّلمي للأمم المُتّحدة» – «صور – فيديو»
  • الخارجيّة الإيرانيّة: «الجهود مستمرّة لتوسيع علاقات إيران مع مصر والبحرين» – «وكالة إرنا»
  • البيت الخليجيّ: «العائلة الحاكمة في البحرين تُهيمن على السّلطات التنفيذيّة وحريّة الرأي والتعبير والمجتمع المدنيّ»
  • إعلام صهيونيّ: «دول خليجيّة وعربيّة تدعم الكيان الصّهيونيّ بهدوء في مواجهة إيران»
  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *